ثقافةصحيفة البعث

د. مشوّح في الذكرى الأولى لرحيل فؤاد أبو عساف: “المبدع لا يُنسى”

ملده شويكاني

“الفنّ طريق الخير المطلق”، هذا ما قاله المبدع السوري الراحل النحات فؤاد أبو عساف في أحد لقاءاته، الجملة التي كانت بداية الفيلم الذي اختزل مسيرته الإبداعية، فانتقلت الصورة بين منحوتاته الوفية للإنسان والحب والأمل والحلم والاحتواء والأرض، والتي عكست في جانب منها ملامح الحرب بمركب الموت. لتبقى الأنثى ودلالة السمكة وسنابل القمح والثور عناصر رمزية للبقاء والاستمرار، وتبقى منحوتة الطفل المتمسك بالسمكة أجمل تعبير عن الأمان، تحمل رسالة أبو عساف للأجيال القادمة، فكان الحاضر الغائب في الفعالية التي أقامتها وزارة الثقافة لمناسبة الذكرى الأولى لرحيله في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، وتضمنت معرضاً استعادياً لبعض أعماله النحتية والتصويرية، ألحق بندوة هيمن عليها الحزن الشفيف.

المبدع لا يُنسى

وخلال جولة السيدة وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح في أرجاء المعرض تحدثت للإعلاميين عن الفنان المبدع فؤاد أبو عساف مبتدئة بـ: “المبدع خلق لكي لا يُنسى، ليست الوزارة هي التي تبقيه حياً وإنما إبداعه، فؤاد أبو عساف، ملك البازلت حيّ بالذاكرة البصرية، وحيّ في نفوس من أثر بهم فكراً وفناً وأخلاقاً وعملاً”، ثم تابعت مشوّح حديثها عن أعمال فؤاد أبو عساف البديعة، لأن المادة التي يصنع منها منحوتاته مادة صلبة وعنيدة، لكنه طوّعها وجعلها رقيقة سلسة.

احتضان الإبداع

أما عن دور وزارة الثقافة في الحفاظ على الإرث الفني، فقد أوضحت مشوّح أن الثقافة لها الدور الأكبر، لأن من بين مهامها المنصوص عنها في قانون إحداثها رعاية الفنّ والمبدعين واحتضان الإبداع وتنميته لدى الأجيال، وحينما نقيم معارض للمبدعين يكون هدفنا مزدوجاً، التعريف بهم لمن يجهلهم ورفع الذائقة الفنية لدى الشباب بالفنّ التشكيلي بكل أنواعه، والهدف الآخر تطوير الفن التشكيلي بالاطلاع على أعمال المبدعين.

الحبّ والبقاء

وبعد المعرض أدارت الندوة الإعلامية أمل الشومري، فبدأت نجود الشومري زوجة فؤاد أبو عساف كلمتها بدموعها المختنقة وبلغة رقيقة وبعاطفة الأنثى التي فقدت حبيبها وشريكها بالفنّ والحياة عن رحيله المؤلم وصراعه مع المرض الذي كان دليل قوته، فكان جزءاً من هذه الأرض ولم يستطع أن يقول كلمته الأخيرة التي زرعها زيتوناً وتفاحاً، لكنه سيبقى مكرّماً بإبداعه وبمحبة الناس له وبتجربته الجديرة بأن تُدرّس.

احتواء البازلت

وبكثير من الألم والحب توقف الناقد الفنان غازي عانا عند خصائص منحوتات الراحل المبدع الذي طوّع خامة البازلت، ورأى أن النحت يتكلف بالرقص بأعماله رغم قسوة الحجر ورغم ازدحام العناصر في العمل الواحد، فرشاقة الفكرة تتحكم بحركية البناء والتشكّل وتناغم التوازن بالعمارة الناهضة للتكوين النحتي شاقولياً كان أم أفقياً، وبأن خبرته وتراكم المعرفة التقنية بالتجريد تتجلّى باحتواء مفهوم مادة البازلت والاستفادة من إمكاناتها وطاقاتها التعبيرية الكامنة فيها خدمة للموضوع المراد تنفيذه، إن كان حاضراً في مخيلته مسبقاً أو يحضر آنياً.

وبيّن أن الراحل يتحرك بأكثر من اتجاه في معالجة موضوعاته التي تخاطب الإنسان كأولوية في الحياة وخاصة بالبورتريه، كما وظّف الحيوانات المحبّبة لديه في النحت كالثور والسمكة والطير والغزال، إضافة إلى الأشياء المتعلقة بالمكان كالنوافذ والأبواب التي يولفها مع الإنسان.

ثم تطرق إلى مصادر موضوعاته المستمدة من الأدب والميثيولوجيا والحكايات الشعبية التي نسجها من ثقافته الغنية، ومن الذاكرة البصرية لمحافظته السويداء وما تحتويه من روائع النحت في الفترة البيزنطية والرومانية وغيرها من الحضارات.

خيال استثنائي

أما الناقد سعد القاسم فتحدث عن أهمية تجربة الراحل بالتشكيل السوري، التي أخذت أكثر من اتجاه واستمدت من أكثر من مصدر، ليبقى مصدرها الأول من خامة حجارة السويداء التي احتوت على منحوتات تاريخية من الفترة الرومانية والبيزنطية، ومن ثقافته العامة الواسعة، إذ كان قارئاً نهماً في شتى أنواع المعرفة دون استعراض، وكانت الثقافة جزءاً من طبيعته، ترجمت بأعماله التي تقدم كمنجز بصري، إلا أن وراءها قيمة أدبية أو فلسفية أو ميثيولوجيا بصرية أو اجتماعية، إضافة إلى التراث النحتي السوري وليس في منطقة السويداء فقط، كلّ ذلك موجود في ذاكرته مع علاقته بالعصر بوجوده الاجتماعي بين الناس، فإذا بحثنا عن معادل له بالفنون الأخرى فنرى أنه بشعبيته يشبه سيد درويش أو زياد الرحباني.

كما أشار القاسم إلى خياله الاستثنائي بخلق علاقات بين كائنات لا تخطر على بال أحد وإلى غزارة إنتاجه، ليخلص إلى أن أبو عساف استطاع أن يخرج النحت من مدينة تبعد عن دمشق مئة كيلو متر لينتشر على مستوى العالم، فأعماله موجودة في سبعين دولة، والجميل بأعماله وجود أعمال بأحجام صغيرة قابلة للتداول مع أعماله الكبيرة، كما نوّه بمجموعة أعمال العشاء الأخير وشخصية يهوذا، وبجمالية أعماله في التصوير التي كانت “كروكي” لأعمال نحتية.

من معالم السويداء

حظيت الندوة بمداخلات تعلّقت بالجانب الإنساني الذي تحلّى به الراحل، منها ما قاله صديقه وجاره عمر جباعي بأنه كان من معالم السويداء، فكل من يزور السويداء لا بد من أن يزور محترفه وخاصة الطلاب.

كما عقبت ليلى صعب بأن المبدع بحاجة إلى الإطراء والتكريم والدعم بحياته، ووصفه الفنان مصطفى علي بأنه نحات من الطراز الأول.

متحف

واختتمت الجلسة السيدة رباب أحمد باقتراح إقامة متحف للفنّ التشكيلي السوري وتخصيص صالة خاصة لأعمال المبدع فؤاد أبو عساف.

ووجّهت زوجة الفقيد الدعوة لمن يرغب لزيارة محترف فؤاد أبو عساف الذي يعدّ متحفاً لأعماله، وسيبقى رمز الحبّ والوفاء.