في ندوة “واقع الدراما السورية” قمر الزمان علوش: درامانا تشهد انحداراً شديداً
حين سألتُ الكاتب قمر الزمان علوش قبل ندوة “واقع الدراما السورية” التي عقدت مؤخراً في مركز ثقافي “أبو رمانة” بإدارة الإعلامية إلهام سلطان عن سبب مغادرته لإحدى الورشات التي دعي إليها مؤخراً لمناقشة حال الدراما السورية، بيَّن أنه فعل ذلك عندما تفاجأ بأن جهة أجنبية هي التي دعت إليها، في حين كان يتمنى لو كانت الأطراف في الورشة كلها أطرافاً محلية ليناقش بحرية وأريحية حال الدراما، لأنه لا يفضل الحديث عن الأمور الوطنية إلا أمام السوريين فقط، وأنه أتى إلى الورشة بالأصل لأن الدعوة وجهت له من قبل وزارة الإعلام، وقد لبى الدعوة لأن لديه أشياء كثيرة يريد قولها حول الدراما، موضحاً كذلك أنه لم ينسحب مباشرة وإنما فعل ذلك بعد أن سئم من طبيعة الحديث حول درامانا التي بدأ المتحدثون يبجلونها، في حين كان رأيه بعيداً كل البعد عما تحدثوا به، وهو المقتنع أن الدراما السورية تشهد انحداراً شديداً وتستثمر في قضايا معادية لأفكارنا الوطنية التي تربينا عليها، ولأفكارنا الاجتماعية التي كسبناها بنضالات مختلفة، وقد أتى من يرميها ليضع ثقافة جديدة هي ثقافة التطرف والتشدد، وهي الثقافة التي حذّر ومازال يحذر منها علوش.
لست غائباً بل مغيّب
أما عن سبب غيابه عن الساحة الدرامية السورية فأكد في كلامه لـ “البعث” أنه ليس غائباً إنما هو مغيّب وبشدة، ولا يدري لماذا اسمه بات ممنوعاً من التداول في الدراما، وإن كان يعتقد أن أصحاب القرار في الدراما غير قادرين على تحمّل الأفكار التي تتحدث عن الحقيقة في كتاباته، انطلاقاً من إيمانه بأن الدراما هي كالآداب والفنون الأخرى مهمتها كشف الحقائق، منوهاً إلى أنه ليس من النوع الذي يشتم في كتاباته أو يهتف، وهو لا يريد أن تُستخدَم الآداب والفنون لخدمة السياسة، بل أن تكون السياسة في خدمتهما، وبذلك يحزنه أننا في حربنا الحالية وبعد أن اجتيح مجتمعنا من قبل المتشددين، وقد تصدى لهم الجيش السوري على أرض الميدان، أن الثقافة أخفقت في لعب دورها.
السطحية والاستعراض
وعلى الرغم من كثرة الأعمال التي تناولت الأزمة السورية إلا أن علوش رأى أن أحداً لم يحاول تناول الأزمة بشكل جدّي وعميق، وأن معظم ما قُدِّم هو ركوب لموجة الأزمة، وأن أكبر مطب وقعت فيه معظم هذه الأعمال كانت السطحية والاستعراض، دون أن يفكر أحد منها في فتح حوار مع المجتمع السوري، وإنما قُدِّمت أعمال لمجرد أنها أُدرِجت في برامج الشركات لتوظيف الدراما بطريقة غير وطنية، وأسف علوش لأن أعمالاً لا وطنية كثيرة تُنتَج وتصوَّر وتُعرَض على شاشاتنا رغم أن أصواتاً كثيرة ارتفعت تحذر من خطورتها.
ولترميم الدراما بشكل إسعافيّ في الوقت الحالي طالب علوش من خلال “البعث” بالاستعانة بفنان كبير ونزيه يعرف ماذا يريد وكيف، وقد قدم للدراما السورية الشيء الكثير، وهو الفنان أيمن زيدان صاحب الخبرة والنزاهة والثقة للأخذ بيد الدراما السورية في الاتجاه الصحيح، ليتم بعد ذلك توسيع النطاق مع أشخاص لا يهمهم المال، مبيناً أن أصوات الفنانين الحقيقيين غير مسموعة، لأنهم قلائل وقد اكتفوا بالصمت لأنهم يريدون أن يعيشوا.
رقابة المجتمع الأكثر إزعاجاً
أما في بداية الندوة فلم يستغرب علوش قلة الحضور، ولم يستغرب كذلك غياب أهل الدراما عنها، ورأى أن غياب الجمهور الذي كان يحتشد لحضور هكذا ندوات قبل عدة سنوات يعود بالدرجة الأولى للإحباط الذي أصابه، بعد أن وجد أن كل ما قيل فيها لم يتحقق منه شيء وبقي حبراً على ورق، ومن هنا أخذت الدراما السورية –برأيه- تنحدر والجميع أصم أبكم لا يحرك ساكناً لوجود أفراد لا يريدون دراما وطنية، بل دراما تحصد لهم الأموال ولو على حساب قضايانا.
كما أوضح علوش أن الناس تحب أن ترى نفسها بهمومها ومشاكلها على الشاشة، في حين أن صنّاع الدراما يبحثون عما هو جديد ومثير، وأن الدراما الحقيقية هي التي يريد أصحابها للمشاهد أن يرى أشياء في الظلام لا يراها عادةً هو، وهذه المعادلة عندما تتحقق برأي علوش يصبح عندنا الإبداع الفني الذي يصل للناس بتحقيقه للمتعة والفائدة معاً، أما لماذا لا يحدث ذلك فهذا يعود برأيه إلى نقص في الإبداع ولغياب الحريات العامة التي يجب أن يحلّق فيها الكاتب، مشيراً إلى رقابة المجتمع نفسه التي يعتبرها الأكثر إزعاجاً للكاتب، مؤكداً للجمهور أن من حق الدراما أن تناقش الكثير من القضايا والمواضيع التي يعتبرها المجتمع خطاً أحمر، في حين يرى هو أن الخطوط الحمراء يجب أن تكون لا على المواضيع المطروحة، وإنما على الطريقة التي ستقدَّم بها، موضحاً في الوقت ذاته أن هناك أعمالاً درامية كثيرة خدشت الحياء عندما ركزت على زنا المحارم مثلاً، ورأى أن الهدف من هذه الأعمال هو تدمير العائلة السورية ضمن المؤامرة التي تحاك علينا.
رأي عام ضد ما يُقدَّم
أما فراس موسى مدير التقييم الفكري في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فأراد أن تتحول الندوة إلى حوار ينتج عنه رأي عام ضد ما يُقدَّم على شاشاتنا من أعمال رديئة، وللرد كذلك على من يقول إن ما يُقدَّم جيد والناس تريده بدليل عدم وجود أي إشكال بعد عرضه، موضحاً عمل مديريته والدور الذي تقوم به للحيلولة دون تقديم أعمال رديئة، معترفاً بفشلها في بعض الأحيان في ذلك، نتيجة التدخلات الكثيرة والتجاوزات التي يعتمدها أصحابها، أما عن ميزانية الهيئة مقارنة مع التلفزيونات الأخرى فهي متواضعة برأيه، ورغم ذلك وباعتباره كفرد من هذه المؤسسة يؤكد أنه كان بالإمكان تقديم أعمال جيدة إلا أن عدم وجود الاختصاصيين والمهنيين يحول دون ذلك، منوهاً كذلك إلى أن هناك حرباً شعواء ضد عمل مديرية التقييم الفكري، لأن لديها مشروعاً لا يرضى عنه القطاع الخاص الذي دخل الساحة الدرامية تاجراً لا لتنفيذ مشروع فكري أو تنويري، ولذلك هناك توجه لدى الغالبية لإلغاء عملها وهي التي أعلنت حربها على الرداءة، ودعا موسى في ختام كلامه كل من لديه النص الجميل والوطنيّ، ومهما بلغت جرأته بالتوجه إلى المديرية التي ليس لديها خطوط حمراء، إلا ما يتعلق بالمؤسسة العسكرية ومقام الرئاسة والعلَم.
حداد على الدراما السورية
كما أعلنت عبير الحسن من مديرية التقييم الفكري أنها في حداد على درامانا السورية التي اغتيلت، ودعت إلى تشكيل رأي عام ضد ما يُقدَّم من أعمال رديئة، منوهة إلى أن المديرية رفضت العديد من الأعمال التي تسفه مجتمعنا رجالاً ونساءً، آسفة لأن معظم هذه الأعمال عادت لتظهر على شاشات التلفزة بطريقة ما.
أمينة عباس