ثقافة

هواجس

تمام علي بركات
– من الصعب فعلاً الحفاظ على الهدوء، وضبط النفس، وعدم الجنون لمدة أسبوع في هذا الجحيم متلاطم الحمم.
– من القادر اليوم من الذين يحيون بسيرك الهذيان هذا، أن يقول عن نفسه بأنها سوية؟ وأنه لما يزل محتفظاً باتزانه؟ أي مخدوع هذا؟!.
– الخوف أن نكون قد اعتدنا الحرب، وصرنا نحيا قربها كجارة بغيضة نعمل على إشاحة نظرها عنا، كلما صدف وفتحنا أبواب بيوتنا، ثم وجدناها في الوقت ذاته، تمد رأسها قبل جسمها من باب بيتها.
– الخوف أن تكون الحرب قد اعتادتنا وتمترست خلف أقفاصنا الصدرية بإحكام.
– تمر أوقات لا شيء فيها يدعو إلى أي نوع من التفاؤل، تكتظ السماء بالنذر، ويبدأ القمر بالذوبان كقرص اسبرين في كأس ماء، ورغم ذلك تجد أحدنا يشعر بأن قادم الأيام أفضل، وما نحن فيه الآن ليس إلا كابوساً لعيناً سيمر وتعود الحياة لمجراها الساكن سابقاً.
– وتمر أوقات أخرى، تلوح فيها الشمس بدلال في الأفق، وترى الحدائق العامة تغص بالأطفال والسيدات الراضيات، طعام شهي يفترش العشب، وابن صغير يلوث ثيابه بالآيس كريم، إلا أنه لسبب لا يعلم إلا الله وحده ما هو، يهجم الاكتئاب كذئب ضال، ويبدأ النهش بالأرواح من رأسها حتى أسفل قدميها- أليست النفس صورة البدن- ويتنزه الحزن على دراجة في أمزجتنا، شعور لا هوادة فيه بالغضب يمسك الياقات، ويهز الأجساد بعنف.
– ليس الصراع بين البقاء في الوطن وهجرته بالصراع الهين أبداً، إنه من أسوأ أنواع حروب الذات، إنه جهاد ضد النفس، إنه إيغال للنصل عميقاً في العافية.
– صراع كافر بين نوازع روح تأبى المفارقة، ونوازع نفس يروض الخوف والفاقة ما يعتريها من جنوح للحنين، وخوف منه بآن، كلما غاب قمر حبيب من الأحبة.
– تشبه الهجرة إلى حد بعيد فقدان الذاكرة، إلا أن تلك الذاكرة الطيبة، ستنفجر دون سابق إنذار، ودويها لا يرحم، لن ينفع صم الآذان عن دويها، فصوتها يقرع طبوله بين جدران القلب.
– ليس البقاء على قيد الحياة هو ما يطلبه أي لنفسه الآن، ليس هذا المطلب الأكثر إلحاحاً بالنسبة لمن أدرك بأن مياهاً كثيرة مرت تحت الجسر، وما خربه الزمان لن يشفيه العطار حتى ذلك السماوي.
– مناجاتنا للرب اليوم بعد أن عملنا على ترميم العلاقة معه تحت ضغط حاجتنا لقدرة خارقة تمحي هذا الوجع دفعة واحدة، تتزاحم فيها الأمنيات والأدعية التي “تكرج” من القهر بأن يكون أحدنا فداء أهله وأحبائه، هي المناجاة السائدة اليوم قبل النوم بين بعضنا وربه الغفور، وإن كان الطلب صعباً بأن يكون فداء أحبابه، وألا يتمزق قلبه مرة أخرى لا يحتملها جراء احتمال غياب قاس آخر، فالدعاء عندها أن يكون طيرانه الأخير في التراب، هو السابق على حفيف أية أجنحة أحباء آخرين.