ثقافة

ألبير كامو “الغريب” الذي غادر باكراً

“كل رعبي من الموت يكمن في غيرتي على الحياة، إنني غيور ممن سيعيشون من  بعدي، وممن سيكون للأزهار والشهوات إلى المرأة معنى من لحم ودم بالنسبة لهم، إنني حسود لأنني أحب الحياة حباً جماً، لا أستطيع معه إلا أن أكون أنانياً”. انتهى  من ليسانس الفلسفة في عام 1935، ثم نجح في أيار 1936، ألبير كامو ثاني أصغر كاتب ينال جائزة نوبل سنة 1957، وهو أصغر من مات من كل الحائزين على جائزة نوبل.
ثمة سيارة تتجه نحو جهة ما، سيارة مثل أي سيارة تتجه باتجاه ما، كان الغريب – أقصد –  ألبير كامو في تلك السيارة، يجلس بجانب صديقه الفاسيل ميشيل غاليماو، هو ناشر وصديق كامو المقرّب.
لم تكن تلك السيارة ماضية، إلى  موت مبكر، لمبدع الغريب والطاعون وكاليغولا،  لم يكن يعلم ولا صديقه الذي كان يقود السيارة أنهما سيمضيان في رحلة أبدية. حدث ذلك في شهر كانون الثاني من العام 1960.
ماذا لو أن كامو سافر في القطار، هل كان سيتوفى في ذات اللحظة، عبارة رددها آلاف المعجبين بأدب كامو، لكنه القدر.
ولد ألبير كامو عام 1913 في مدينة درعان في الجزائر. عاش في ظروفٍ سيئة خلال طفولته في الجزائر، وقد عمل في عدد من الوظائف الغريبة، بما فيها وظيفة معلم خاص، وكاتب في تجارة بيع أجزاء السيارات، كما عمل لدى معهد الأرصاد الجوية، وغيرها من الأعمال الأخرى، كونت منه شخصيته الأدبية والفلسفية والوجدانية.
كان حارس مرمى ناجح جداً وكان يحب كرة القدم، بيد أن أصابته بمرض السل، أبعدته عن منتخب الجامعة، ليتفرغ كلياً للأدب على وجه الخصوص حين انتهى من ليسانس الفلسفة في عام 1935. عاش كامو تجربتين من الزواج الأول لم يكن هناك أطفال، في المرة الثانية كان ثمة  طفلان.
“ألبير كامو” الأديب الذي قالوا عنه: “بأنه جاء مبكراً ورحل مبكراً. وهو يُعدّ، من رواد الأدب الإنساني، والعالمي. له عبقريته الأدبية، ومواقفه النضالية، وبساطته، التي بقيت الناطقة عن تواضعه، من بعد رحيله. لقد أبدع الكاتب، في ميادين أدبية شتى، باستثناء الشعر. أبدع في المسرح والقصة، والرواية، والدراسات النقدية، والأبحاث الفلسفية، والمقالة الصحفية، والحوليات التاريخية. وهو الأديب المحظوظ، الذي أخرجت له مؤخراً، “مذكرات مجهولة” نشرت لأول مرة سنة 1995-  تحت عنوان: (الإنسان الأول)، وجاءت بعد موته، في حيوية أدبية أدهشت عدداً كبيراً من المشتغلين، في مجال الدراسات والسير الذاتية، ويقول في هذا السياق، كونه قد نشأ معوزاً، في حي فقير، ومع ذلك، لم يعرف، ما معنى الشقاء، حتى رآه في الأحياء السكنية الشعبية، بضواحي باريس، بل، حتى أقصى ما يمكن، أن يصله البؤس العربي، وشقاؤه. لا يمكن مقارنته تحت سمائه، ذاك الواقع المقرف، تحت سماء باريس.
وبمجرد ما يرى المرء، تلك الضواحي الصناعية، يشعر، بأن النجاسة قد أصابته، وبأنه قد دُنِّسَ للأبد. وبهذا الصدد، يعود الكاتب بذاكرته، للأحياء العربية، التي ما زال حبها، عالقاً بشغاف قلبه. يعود نوعاً ما، لأنه بالرغم من ترحيله، من الجزائر، من قبل سلطات الاستعمار آنذاك، بسبب موقف دفاعه، عن مسلمي البلد، فإنه ظل طوال حياته حاضراً فيه، كبلده الأصلي ويقول عن هذا المشروع، بأن تصوره له، كان على الوجه التالي: “لقد أردت مبدئياً، أن أعبّر عن النفي. وذلك عبر ثلاثة أشكال. الشكل الروائي: فكانت روايتي (الغريب). الشكل المسرحي المأسوي: فكانت مسرحية، (كاليغولا)، و(سوء التفاهم). والشكل الإيديولوجي: فكانت أسطورة (سيزيف)، ثم ارتأيت الجانب الإيجابي، وتصورته هو الآخر، على ثلاثة أشكال أيضاً. الشكل الروائي: فكانت روايتي (الطّاعون). الشكل المسرحي المأسوي: فكانت مسرحية (حالة طوارئ)، و(العادلون). والشكل الإيديولوجي: (الإنسان المتمرد)، ثم إنني وضعت في تصوري، طبقة ثالثة، محورها الحب”. لكن حادثة السير التي راح ضحيتها الكاتب في سنة 1960 حالت دون تحقيق الكثير من مشاريعه الإبداعية.
أحمد عساف