ثقافة

“الرجل الطير” يدلف إلى سراديب السريالية

أثار عرض فيلم “الرجل الطير” إخراج أليخاندرو غونزاليز إينارتيو الذي شارك في كتابة السيناريو أيضاً في افتتاح مهرجان أفلام حديثة جداً المقام الآن في أوبرا دمشق مناقشات وتساؤلات عن هذا الفيلم الذي دخل في متاهات السريالية، وتناول بطريقة غير مباشرة إشكاليات اجتماعية لا تخلو من إيماءات سياسية، فشغل موقع الافتتاح بمهرجانات عالمية وحصل على عدة جوائز أوسكار للعام الماضي، ومنها جائزة أفضل تصوير وأفضل إخراج وأفضل موسيقا تصويرية.

تفاعلية بين المشهد واللحن
والأمر اللافت أن الموسيقا التصويرية “لأنطونيو سانش” رغم أنها لم ترافق أغلب المشاهد على غرار الكثير من الأفلام العالمية، إلّا أنه كان لها تأثير كبير على إيجاد علاقة تفاعلية بين المشهد واللحن وتفسير المضمون بشكل بعيد عن المباشرة، ولاسيما في مشاهد إصغاء البطل(ريغان طومسون)الذي جسّد دوره النجم مايكل كيتون إلى الصوت الداخلي الذي يؤنبه ويحاول تأجيج الصراع الدرامي داخله، فيتصاعد وقع الآلات الإيقاعية ليفصح المخرج في أحد المشاهد النهائية في كواليس المسرح عن هذه الآلات من خلال عازف يقرع الطبول الكبيرة وبجانبه إحدى آلات المؤثرات الصوتية المعدنية، كما رافقت هذه الموسيقا الصاخبة مشاهد المنولوج ومكاشفة الذات والانجرار وراء اللاشعور في شدّ البطل إلى نجاح الماضي وإخفاق الحاضر، لتختلف الموسيقا كلياً في مشاهد الوحدة واليأس، فتنبعث نغمات اللحن الوتري الهادئ المتداخل مع مفاتيح البيانو. الأمر اللافت أيضاً هو فنية الفيلم التي عبّرت عن مشهدية سينمائية تبدو غريبة عن الأفلام العالمية، وأعادتنا إلى زمن اللقطة السينمائية الكلاسيكية المتصلة وفق ما يسمى بتقنية “ون شوط”، فمضت المشاهد بشكل متسلسل ومتتابع دون انتقالات مشهدية ودون تقطيع للصورة باستثناء مشاهد قليلة جداً، صُوّرت على شرفة البناء أو مرت مروراً عابراً من خلال السوق المركزي.
المحور الأساسي للفيلم هو كواليس المسرح أثناء العرض التجريبي للمسرحية المستمدة من رواية للكاتب رايموند كارمز التي ينتجها ويخرجها ويمثل فيها البطل ريغان والتي من أجلها رهن منزله، وتعود إلى مفهوم الحبّ المطلق وكيف نتكلم عن الحب المطلق من خلال رواية زوجين مسنين يتعرضان لحادث، فيصابان بكسور بالغة، فيبقى الزوج أسير الجبص المركّز على وجهه ما يمنعه من رؤية زوجته المصابة أيضاً فيدخل بدائرة الاكتئاب.
دور النقد في إنجاح العمل
تدور قصة الفيلم حول النجم السينمائي الأسطورة الذي جسّد دور شخصية الرجل الخارق بيردمان الرجل الطير في أفلام الفانتازيا التي تعتمد على الإثارة والإبهار البصري في فترة التسعينيات، ثم تمضي السنوات ويأفل نجمه ليتناول الحوار بسريالية مطلقة العالم اللاواقعي للشخصية والافتراضي من خلال سلسلة منولوجات تغوص بالتناقضات الشخصية بين الظاهر والباطن في الإصغاء إلى الصوت الداخلي للذات، في الوقت الذي يحضّر فيه للعرض التجريبي على مسرح برودواي في أمريكا لتدور الأحداث في كواليس المسرح، تتناول فيها الحبكة الدرامية إشكاليات اجتماعية على المستوى الإنساني، تبدأ من الإحساس بالفشل إلى الانفصال، إلى العلاقة الباردة بين الأب ريغان وابنته سام ومحاولته إيجاد علاقة صحيحة بينهما من جديد، إلى إشكالية الإدمان من خلال شخصية سام التي خضعت لعلاج في مركز إعادة التأهيل، إلى فشل بعض الأشخاص بإقامة علاقة عاطفية حميمة، كما يحدث مع شخصية الممثل المساعد إلى الحلم بالشهرة والوصول إليها.
وعلى المستوى  الاجتماعي تطرّق الفيلم إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي بإعادة الشهرة إلى بطل الفيلم، مقابل إقبال الجمهور على متابعة أفلام الإثارة والأكشن والابتعاد عن أفلام الدراما الاجتماعية، إلى دور النقد ودور الصحافة في إنجاح العمل الفني أو فشله من خلال المشهد الحواري بين ريغان والناقدة في صحيفة التايمز وخلافهما حول المفردات النقدية مثل “فجة –هشة – سطحية” لتفاجئه بعد نجاح العرض الأول بنقد موضوعي يتعلق باتباعه منهجاً جديداً لواقعية المسرح الأمريكي ورفده بدماء جديدة كان يفتقد إليها.
ملده شويكاني