“العربيــة” لاتزال قـادرة على اســتيعاب العصــر
عندما يجري الحديث عن واقع اللغة العربية تتفق معظم الآراء أنها ليست في أحسن أحوالها وتبدو المشكلة أعمق وأكثر وضوحاً عندما نخوض في لغة الإعلام والمستوى الذي وصلت إليه هذه اللغة.
في ظل هذا الواقع يبدو السؤال حول العلاقة التي تحكم الإعلام واللغة مشروعاً وذا أهمية من هنا اختار فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب عنوان “اللغة العربية والإعلام تكامل أم تنافر” ليكون موضوعاً للنقاش من قبل مجموعة من الإعلاميين واللغويين بإدارة د. عبد الكريم حسين، وبدأت المشاركات مع الإعلامي ديب علي حسن الذي حاول تحت عنوان “حرب اللغات هل خسرها العرب” أن يصف الواقع الذي تعيشه اللغة العربية منذ منتصف القرن العشرين، حيث لم تعد الأنقى والأكثر قدرة في التعبير عن المصطلحات والعلوم، بعد أن غادر أبناؤها عالم الفكر والإبداع، لكن كانت هناك جهود مبكرة من الوعي اللغوي نهض به كتاب سوريون حقيقيون حملوا همّ الارتقاء باللغة وصونها، وتقديم الشاهد على أنها قادرة على استيعاب علوم العصر ومعارفه. وتحدث حسن عن الحروب اللغوية التي تخاض على المستوى العالمي لكنها موجهة ضد العرب أكثر من غيرهم، وفي ظل هذا الواقع رأى حسن أن لغتنا العربية تخسر في حرب اللغات ويخسر أبناؤها فكراً وثقافة، لأن رصيدها الهائل من المفردات والأساليب لن يكون ذا فائدة بسبب عدم مساهمة العرب إلا بالقليل في المجال المعرفي، إضافة لما يضخ من مصطلحات ومفردات تضاف إليها مشكلة العامية وأساليب التنفير من اللغة، وتبنى حسن رأي د. محمود السيد بان لدينا استراتيجيات للنهوض بلغتنا وثقافتنا وما نحتاجه إنفاذ القرارات.
المجمع ليس جهة وصائية
ويرى د. ممدوح خسارة أن العلاقة بين الإعلامي واللغوي علاقة تكامل فكل منهما يتعلم من الآخر، ولفت خسارة إلى وجود كوادر إعلامية متميزة والمشكلة كما شخصها تتجسد في الإذاعات الخاصة التي لا تقدّر اللغة العربية بل تحاربها، وهذه الإذاعات لا تخضع لقانون اللغة العربية. أما ماذا قدمت مجامِع اللغة للغة الإعلام، أجاب خسارة أن مهمة مجامع اللغة كما رسمها القانون حماية اللغة العربية بمراقبة ومتابعة لغة التأليف للكتب، ولغة التعليم في مراحله ورصد لغة الإعلام وفي هذا الإطار أرسل مجمع اللغة العربية إلى جميع الجهات في سورية يسأل عن وجود مشكلات لغوية وكان التجاوب قليلاً، علماً أن مجمع اللغة جهة مرجعية وليس وصائية يدعو إلى لغة ميسرة سهلة لا تدعو للتفاصح والتقعر، وفي هذا الجانب تم إصدار الكثير من القرارات اللغوية، لكن دون الخروج عن قواعد اللغة، والمطلوب اليوم وجود قانون لحماية اللغة العربية.
جسور بين الإعلاميين واللغويين
وحول موضوع اللغة وعبئها على الإعلام تحدث الإعلامي سامر الشغري أن العلاقة بين الإعلام واللغة العربية تعود إلى فترة انبعاث عصر النهضة في العراق وبلاد الشام ومصر عندما كانت الصحف الناشئة أولى الوسائل التي استخدمها رجالات ذلك العصر للتعبير عن أفكارهم، وهؤلاء بانجازاتهم كانوا السباقين لإزالة ما اعترى لغة الضاد فترة تسلط أمراء الحرب، لكن تلك العلاقة الحميمة بدأت تتأثر بدعوات إعطاء الثقافة مداً شعبياً أوسع، وقد ظهرت آثار ذلك على مختلف الفنون والآداب. وأشار الشغري إلى التيارات التي يسوقها دعاة استخدام العامية والأجنبية في الإعلام، واليوم تحفل محطات التلفزة والإذاعة بأخطاء لغوية لا تحصى، وعدم قدرتنا على تطوير لغتنا الإعلامية بشكل بسيط وسهل سيجعلها تخسر مكانتها أمام المد اللغوي الهائل. من هنا لابد من بناء جسور العلاقة التفاعلية بين الإعلاميين واللغويين لاسيما مجامع اللغة والتخفيف التدريجي من استخدام العامية في الإعلام وصولاً إلى التخلص منها بالمطلق.
الإعلام حامل للغة
والمأزق الحقيقي الذي تعيشه اللغة في الإعلام باعتباره المرآة العاكسة لمختلف التفاعلات الثقافية كما يراه الإعلامي عدنان بكرو أن الإعلام اليوم يؤدي أخطر الأدوار إما في الارتقاء باللغة العربية أو الحط من شأنها، ومشكلة اللغة العربية في وسائل الإعلام لها مظاهر عديدة حاول بكرو إلقاء الضوء على بعضها كشيوع الأخطاء النحوية والكتابة بالعامية أو بث البرامج الإذاعية والتلفزيونية باللهجة العامية الركيكة، فالعلاقة الصحيحة بين اللغة والإعلام يجب أن تسير بخطوط متوازية، رغم أن الإعلام هو الطرف الأقوى لقوة تأثيره لذلك لابد أن يكون الحامل لخصائص اللغة كي لا يلحق بها التشوه. ويعوّل بكرو على الفرصة الكبيرة أمام وسائل الإعلام للنهوض بدور الريادة والتنوير والتوجيه للغتنا الأم.
المسؤولية مشتركة
ودخل الإعلامي محمود الجمعات مباشرة إلى قلب المشكلة التي تعاني منها وسائل الإعلام، والتي تتجسد بوضوح في جيل كبير من المذيعين ومقدمي البرامج والتقارير الإخبارية، ممن لديهم لغة عربية محطمة تظهر بوضوح في النحو والصرف وفي جوانب أخرى عديدة، وهذا الواقع لا تتحمل مسؤوليته المؤسسات الإعلامية وحدها، كما يرى الجمعات بل ثمة جهات ومؤسسات لها اليد الطولى في هذا المجال كالأسرة والمدرسة والإعلام والبيئة ووزارة التعليم العالي والإذاعات الخاصة، والتدريب والتأهيل في المؤسسة الإعلامية. وتطرق الجمعات إلى دور الإعلانات الخطير في مجال اللغة ككتابة الكلمات بصورة غير صحيحة واستخدام الحروف اللاتينية وكتابة الكلمات الأجنبية بحروف عربية مع وجود قوانين ومراسيم توجب تعريب أسماء المحال والمنتجات.
جلال نديم صالح