ثقافة

أبو زينة في صالة الشعب.. تقاسيم ملونة للأمكنة الطازجة

شهدت صالة الشعب للفنون الجميلة افتتاح معرض الفنان أحمد أبو زينة والذي ضم أكثر من ثلاثين لوحة تشكيلية ذات منحى تجريدي غنائي يحتفي باللون والتجريب، عبر مساحات تتحاور فيما بينها في تكوين موفق قائم على التوافق المساحي دون الولوج في أبعاد فراغية، لتبقى على سطح واحد مما يمنح المشهد حالة من الوظيفة التزيينية البعيدة عن المواضيع التي تشتغل على الفكرة، أو السؤال المقلق عن الحامل الفكري للعمل الإبداعي وعن دافع البحث في كنه الجمال ووظيفته، فالتوليف وصيغة التوافق هي العنوان الأبرز لهذه المقولات البصرية التي أضحت تحتل مساحة كبيرة في الشأن التشكيلي، حتى لو رفعت يافطة الحداثة عند بواباتها، لتبقى متعة المغامرة التشكيلية التي خاضها الفنان جديرة أن تلاقي الدهشة والمتعة لدى المتلقي.
يعتبر الفنان أحمد أبو زينة من أكثر الفنانين غزارة في الإنتاج، خاصة خلال السنوات الأخيرة حتى لتحسبه في سباق مع الزمن أو مع أمر ما يستعجله لفرض حضوره الفني في المنتج التشكيلي السوري الآن، وقد ساعدته ظروفه المستقرة في ذلك وصحبته لكوكبة من الفنانين الذين يشاركونه بعضا من يومياته المنتجة، يشاطرونه الرأي وهو المستمع الجيد والمثابر على تطوير نفسه، والساعي إلى توطيد علاقاته مع كل ما يرفد ويطور ويغني تجربته. إضافة لدماثته الاجتماعية التي فتحت له قلوب العديد من أصدقائه الفنانين وهو الرجل الذي لا يقلقه هاجس المنافسة، ولا يشغله ما يشغل أصحاب الكار الواحد، وقد  قدمه الناقد الراحل الدكتور الناقد عبد العزيز علون كفنان يملك ميزة الشباب المندفع بحب نحو تحقيق لوحة لها خصوصية تشبه شخصيته المؤثثة بلباقة العارف بالسلام ورسالة اللون والجمال، والمحب لرأي الأصدقاء وإن كان من باب المديح والمجاملة على اعتبار أن للفنون مجتمعاً يكسوه لطف العاطفة وحسن التواصل والتواضع أمام الدهشة الملقاة على مساند اللوحات والكلام التلقائي الصادق كماء عميقة صافية.
يعتمد أبو زينة الألوان أساسا لأي تجربة فنية، وما اللوحة إلا وجبة من الألوان المتناسقة والمتناغمة بتجاور حضورها الموزع بتناسق وعناية، كما باقة ورد على منضدة في إنائها الخزفي المناسب لهذه الزهرات، لوحة لا حدود لها مفتوحة إلى ما لا نهاية، وبالتالي ترتحل إلى إطارات وقماشة ولوحة جديدة، لا يفصل بينهما سوى الوقت الجديد والنهار الآخر الذي يفتتح بقهوة أو بزنبقة أو اشراقة اللون الأصفر من أطراف اللوحة الجديدة.
يملك أبو زينة تجربة غنية في بناء خيال جديد في المكان قلما يمتلكه إلا المشتغل المحترف في هذا النوع من الفنون، فهو متميز في سيطرته الكلية على أي حيز وأدواته لا تتعدى الحالة الفيزيائية التي تحضر بحضور اللون، فالجدران التي يخاطب ما هي إلا أمكنة متخيلة يكسوها الفنان بمسحة جديدة معاصرة فيها من الغبطة والفرح ما يشعرك أنك أمام وجبة عامرة بالفرح تتحاور بمفرداتها الألوان المتناسقة، هنا شجاعة لا يشوبها أي استفزاز أو نفور أو توتر حتى السطوح الخشنة لها من لطف الوظيفة أكثر من دورها النافر المفرد.
كتب في تقديم معرضه زميله الفنان أنور الرحبي: “بوابة لونية تكاد أن تكون بداخلها، لما تحمل من إشارات ومشاهد بصرية، تتوارى وتتداخل من حيث القيمة الخطية وجمل الكتابات المصاغة بحس عاطفي ليس فيه دراما، إنه يمارس فرش اللون في دواكين المساحات ويشاطرها باللون الأبيض والأحمر والآجري .. حداثوي التكاوين واللغة التعبيرية البصرية، لا يهمش المساحات اللونية بل يجعلها غنية، وهي المدماة بالرؤى المختلفة.
أكسم طلاع