دراما إنسانية

سلمى كامل
تملأ أخبار اللاجئين السوريين صفحات التواصل الاجتماعي، والخبر الأخير ينقل أن مهاجراً انتحر في إحدى الدول التي استضافت السوريين ولم يُعْلن عن سبب الانتحار، أما في السويد فقد قتل طالب سوري مهاجر زميله في المدرسة ما أثار موجة من الكره ضد المهاجرين، وفي بريطانيا عمدت السلطات إلى طلاء أبواب بيوت المهاجرين باللون الأحمر لتمييزهم عن المواطنين.
الخبر المفرح بالنسبة للاجئين السوريين، هو أن الممثل الأمريكي ادوارد نورتون تمكّن من جمع مبلغ 390 ألف دولار كمساعدات مالية للاجئ سوري مصاب بسرطان المعدة.
السؤال الذي يُطرح في هذا السياق: لماذا تعاطف الممثل نورتون مع هذا السوري بالذات وليس غيره من ملايين المهجّرين واللاجئين والمرضى والمصابين نتيجة الأعمال الإرهابية  في سورية وكيف سمع بقصته؟.
يقول الممثل: إنه سمع بقصة المريض السوري عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وعرف أنه مصاب بسرطان المعدة وأن عدداً من أفراد أسرته كانوا ضحايا الحرب الدائرة في سورية.
الموضوع تفاعل أكثر حتى وصل إلى الرئيس باراك أوباما والذي لم يكن أقل تعاطفاً مع هذا السوري البائس، فدعا ما تبقّى من أفراد عائلته الموجودين في تركيا  إلى الانضمام إليه في أمريكا.
دراما إنسانية مؤثّرة تصلح لفيلم هوليودي أو بالأحرى بوليودي، أي هندي وفي سورية كثير من القصص المشابهة والتي لم تصل لمواقع التواصل الاجتماعي، ولم يسمع بها سوى عدد قليل من الناس، وهنا يمكن أن نتساءل: ما هو الأكثر فائدة لمجموع الشعب السوري أن يقول هذا الممثل الذي يؤثر في الرأي العام لحكومته: كفى للحرب في سورية أو عليها، وأن يقود حملة لوقف الحرب، أم يجمع تبرعات لمريض واحد؟.
إن وقف الحرب وإنهاءها ينقذ كل السوريين وليس فرداً، لكن في القيم الأمريكية الفرد هو القيمة الكبرى، وهنا ينطبق قول الشاعر:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
المأساة السورية التي وصفت بأنها الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية رسمت وخطط لها  بكل تفاصيلها في الدوائر الأمريكية التي أوكلت تنفيذها إلى مرتزقة من كل دول العالم، إضافة إلى من سموهم (الثوار) السوريين، ثم طورت عمل هؤلاء المسلحين، فشكّلوا منظمات إرهابية تهدد العالم أجمع، ومع ذلك مازالت أمريكا ودول إقليمية ترعى هذه التنظيمات وتمدها بالسلاح والمقاتلين، ولا نريد أن ندخل في التفاصيل المتعلقة بإجرام هذه العصابات بحق السوريين ومنهم عائلة المواطن السوري، الذي حالفه الحظ بلفت انتباه ممثل أمريكي شهير، وبالتالي تحويل مأساته الشخصية إلى قضية رأي عام،  وهو موقف يستحق الشكر والامتنان منا جميعاً كسوريين، ولكل من دعم حملة التبرع التي قادها لعلاج المريض السوري، لكن هذا الممثل لا يعرف بالتأكيد أن  سورية من الدول القليلة التي تقدّم العلاج  المجاني وبكل مراحله لمرضى السرطان، على الرغم من تكلفته العالية،  وبعد خمس سنوات من الحرب الكونية عليها، ما زالت تطبّق هذه السياسة دون تمييز، ويشمل ذلك المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية  في الرقة وإدلب وريف حلب، ويأتي المواطنون من هناك إلى دمشق بوثائق ممهورة بأختام داعش، ومع ذلك يقدّم لهم العلاج أسوة بالمواطنين في دمشق، وقد روى لي طبيب يعمل في مشفى البيروني الذي يقع على خطوط التماس في الغوطة الشرقية، كيف تستهدفهم العصابات الإرهابية بالقنص على طريق حرستا ما أدى إلى استشهاد عدد من الأطباء المتميزين، أما القذائف التي تُطلق على المشفى، فقد أصبحت روتيناً يومياً للعاملين فيه، وفي أوقات كثيرة يصلون دون أن يتمكنوا من تقديم العلاج بسبب عدم توفر الدواء نتيجة العقوبات الجائرة التي فرضها الغرب على المؤسسات الوطنية السورية، ما يؤخّر تقديم العلاج للمرضى، وخاصة هؤلاء الذين يحتاجون إلى أدوية نوعية.
إن الحرب الكونية تُشن على كل سوري، بغض النظر عن انتمائه السياسي والديني والطائفي، وهي تقطع سبل الحياة والرزق وتدمّر في طريقها كل شيء، ومع تقديرنا للتعاطف الذي يبديه الغرب تجاه مأساة السوريين ومنهم الممثل نورتون، فإنه لايحل المشكلة، والتي تنتهي بتوقف الغرب عن مشروعه بتدمير سورية وتمزيقها.