ثقافة

الكاتب والمتلقي

سلوى عباس

> المتلقي شريك الكاتب في ما ينتجه في أي فن من الفنون، لكن كيف يحضر المتلقي لدى الكاتب أثناء الكتابة؟ هل يحسب له حساباً، أم يتحرر منه وينفرد مع ما يكتب، أم أن المتلقي يتسلل متخفياً ويفرض وجوده؟. أسئلة كثيرة تنفتح على إجابات متعددة، فهناك من الكتّاب من يقول أنه لا يفكر بالمتلقي ولا يدعه يحضر أثناء إنجازه لنصه، لأنه ليس بحاجة لرقيب آخر، أيضاً هناك من يؤكد على هذه الفكرة فلا يفكر بالمتلقي أثناء لحظة الكتابة أبدا، بل يكتب بالمطلق، دون أن يكون في ذهنه قارئ معين يكتب على مقاسه، لكنه يطمح أن يقرأه الجميع، من القارئ العادي إلى القارئ النخبوي. والبعض الآخر من الكتّاب لا يرهق نفسه بملاحقة القارئ بل يكتب بانعتاق من كل شيء، لعلّه بالمصادفة يخلق قارئاً يقرأه، مؤكداً وعيه لفكرة أن ليس كل الناس يقرؤون.
بالمقابل هناك من يخالف هذه الآراء ويعترف بدور المتلقي في إبداعه، حتى قد يتركه يضع النهايات أحيانا، معتبراً أنه بدون المتلقي لا يكتمل نصه، الذي هو المشترك بينهما، وقد يتقاطعان في قراءاتهما وقد يختلفان، وكل كاتب يطمح أن يكون للمتلقي دلالاته ورؤاه المختلفة عن التي يعنيها هو. وفي مقاربة لوجهة النظر هذه، بعض الكتّاب يقرون أنه في الكتابة بشكل عام هناك عقد خفي بين الكاتب والمتلقي، وهذا تابع لنوعية القرّاء، ومهمة الكاتب أن يعبّر عن قضايا القارئ وهمومه بأسلوب جذاب ومشوق، ومن الضروري أن تكون الكتابة قادرة على التواصل مع القارئ حتى نهاية المادة المكتوبة، فالكاتب المحترف يعمل على إيصال ما يريد للمتلقي سواء عن طريق الفكرة أم الخيال أم اللغة وغيرها من الأدوات الفنية.
وبعيداً عن وجهات النظر هذه كلها، ربما نتوافق مع فكرة الكتابة بحرية بعيداً عن أية قيود تشوش الكاتب سواء كانت هذه القيود المتلقي أم أي قيد آخر، لكن ما لا نستطيع إغفاله أن كل كاتب يتوجه في كتابته لمتلق ما، سواء كان واعياً لحضور هذا المتلقي أم لا، وأي نص يحتاج لمتلقٍ يقرأه ويمحصه ويعيد إنتاجه، وإلا بقي نصاً عقيماً بلا جدوى، وهذا ما تؤكده مقولة رولان بارت “المتلقي يعيد صياغة النص الأدبي”. من هنا كان القارئ، أو المتلقي شريك الكاتب في نتاجه سواء أقر ذلك أم لا، وليس بالضرورة أن يحضر هذا المتلقي كرقيب، بل قد يكون حضوره حافزاً لشكل أرقى من الكتابة؟.