مدير المسرح القومي : “هذا الفن لن يدوم طويلاٌ “
في الوقت الذي يتحدث فيه المعنيون عن أهميته وضرورته ودوره، ولا سيما في الوقت الحالي ما زال مسرحنا السوري يحاول أن يوجد لنفسه مكاناً في خارطة التكوين الاجتماعي والثقافي والسياسي، الأمر الذي تعكسه مجموعة من الأعمال القليلة نسبياً ولكنها المعبّرة عن توجه المسرحيين السوريين اليوم، باتجاه مواكبة ما يجري على الساحتين السورية والعربية من أحداث تكاد الإحاطة بها تكون ضرباً من الخيال.
في طريقه للانقراض
من هنا أتت الاحتفالات المتفرقة بالمسرح في يوم عيده بمثابة إشارات للتذكير بأهمية هذا الفن ودوره في محيطه الاجتماعي، في الوقت الذي يقتنع فيه الجميع بضرورة مدِّ هذا الفن بشرايين الحياة، خاصة على الصعيد الاقتصادي بهدف إنقاذه وإعادة الاعتبار إليه.. وبهذا الصدد يقول مدير المسرح القومي فؤاد حسن الذي أشرف على احتفالية يوم المسرح العالمي، التي أقامتها مديرية المسارح والموسيقا: “يوم المسرح العالمي فرصة لنتذكر فيه هذا الفن غير المستقر والذي يُخشى عليه من الانقراض في منطقتنا، وهذه ليست نبوءات اليوم بل نبوءة رائد المسرح العربي مارون النقاش منذ أكثر من مئة عام حين قال : هذا الفن لن يدوم طويلاٌ في بلادنا”. ويؤكد الفنان حسن في حوارنا معه على إمكانية عدم ديمومة فن المسرح في بلادنا باعتباره فناً غريباً ومستورداً، مشيراً إلى أن معظم ما نتعايش معه اليوم مستورد، لكننا استطعنا توطينه إلا المسرح، الذي لم نستطع توطينه في بلادنا رغم محاولات الأجيال السابقة لفعل ذلك من خلال استنباته في تربتنا العربية، والسبب برأيه لا يكمن في صعوبة هذا الفن، بل لأنه ظل غريباً عنا لعدم وجود مناخ اجتماعي راعٍ ومجتمع منفتح ومتطور بشكل طبيعي وليس قسرياً، وزاد في الطين بلّة حسب حسن التطور الكبير للتكنولوجيا التي هرعنا باتجاهها دون أن نؤسس لأرضيّة ثابتة كما فعلت المجتمعات الأخرى التي أتت فيها التقنية نتيجة تطور حقيقي، في حين سارعنا لاستهلاكها فقط، والغريب برأيه أننا استهلكنا نوعاً معيّناً من البضائع ولم نستهلك نوعاً آخر ليكون المسرح من البضائع التي استهلكناها في فترة معيّنة وبدأنا نبتعد عنها شيئاً فشيئاً.
مشاريع بلا أفق
ولنحافظ على هذا الفن في الأيام القادمة نحتاج كما يبين حسن إلى تكريس قناعات بضرورة ودور المسرح، والمؤسف أننا لم نفعل ذلك، دون أن ينفي حسن وجود محاولات إلا أنها لم تأتِ نتيجة دراسة علمية دقيقة لكوادر أكاديمية وفنية وثقافية تؤسس لمشروع مستمر، وأن كل مشاريعنا آنيّة ولا أفق لها، مؤكداً أهمية وجود خطط إستراتيجية للعمل المسرحي والتمتع بنَفَس طويل لبلوغ الهدف الذي نريد.
بعض ما قُدم كان ارتجالياً
ويأسف حسن أن لا شيء يدعو للتفاؤل على صعيد العمل الفني لأن مجتمعاتنا تسير عكس تيار المجتمعات الأخرى، إذ لم يعد الرسم أو الموسيقا ضمن مناهجنا بشكل جادّ أو جزءاً من تربيتنا، مع أن الفنون تهذّب النفس وتعيد للإنسان توازنه، فأنتج غيابُها انحرافاً وتطرفاً، في حين أن الفن ضروري في المجتمعات المتقدمة، وبات يُستخدَم لعلاج الكثير من الأمراض، وبالتالي فإن المطلوب لإعادة النظر في طريقة تعاطينا مع المسرح تأهيل الأجيال الجديدة للانفتاح وتقبّل الآخر، وإعادة النظر في أسلوب تربيتنا وتعليم أطفالنا لمقاربة ما هو صحيح بعد عدة سنوات طويلة، بهدف إنتاج بيئة مساعدة في المستقبل، وهي البيئة التي يعيش فيها الأفراد متفاهمين منسجمين ومتكاملين.
ويرى حسن أن المسرح لا يزدهر في الأزمات كما يعتقد البعض لأن الفن عموماً يزدهر في المجتمعات المستقرة، أما الأزمات فهي مجرد مادة يستقي الفن منها مواضيعه، مشيراً إلى أن معظم ما قُدِّم من أعمال حول الأزمة كان ارتجالياً وانفعالياً وبعيداً عن توصيف الحالة التي نعيشها نتيجة الأزمة بشكل جيد لأننا ما زلنا تحت تأثيرها، وبالتالي فإن جميع النصوص المكتوبة اليوم هي نصوص ناقصة ولا تصبح كاملة إلا بعد الخروج من الأزمة، مؤكداً أن ما سنقرأه من نصوص بعد انتهاء الأزمة سيكون مختلفاً عمّا يُكتَب حالياً.
توقّف وتأجيل عروض
وختم حسن حديثه بالتأكيد على أن الفنّ لا يُقدَّر بثمن، وبالتالي فإن من حقِّ الفنانين المسرحيين أن ينالوا ما يستحقون لقاء الجهد المبدع الذي يقدمونه خلال أسابيع العرض وأشهر البروفات المضنية، وبذلك فإن عدم إعطاء الفنان المسرحي ما يستحق من تكريم مادي سينعكس سلباً على منتوجه الإبداعي.. من هنا تحاول مديرية المسارح والموسيقا تنشيط عمل الشباب في المسرح، خاصة وأن أعمالهم ذات كلفة إنتاجية قليلة، مع العلم أن معظمهم لديه استعداد لترك المسرح حينما تتوفر لديهم فرص للعمل في التلفزيون أو الدوبلاج.
أمينة عباس