معلولي والشاعر يقدمان “فصل الخريف في بيونس آيرس” لآستور بيازولا أوركسترالياً
ليس بغريب على الفرقة الوطنية السيمفونية أن تبدو أقرب في كل أمسية من عشاق الموسيقا الكلاسيكية والجمهور النخبوي، بقيادة المايسترو أندريه معلولي ومشاركة الشاعر وجناوي وكورال المعهد العالي للموسيقا، وهي تعزف العمل السيمفوني الكامل لموتزارت “السيمفونية 40” بحركاتها والتي اقتبس منها الرحابنة الأغنية الشهيرة “يا أنا يا أنا “ضمن برنامج حافل، تناوبت فيه ألحان التانغو والفالس مع التكثيف الوتري ودور الألحان المرافقة للألحان الأساسية وحضور آلات النفخ الخشبية في مواضع، وغياب دور الآلات النحاسية في مواضع لتتألق في مفاجأة الأمسية وتكون جميع آلات الفرقة مرافقة لآلة الأكورديون، وهي آلة ليست أوركسترالية لكن شكّل وجودها مع العازف العالمي وسام الشاعر إبداعاً موسيقياً، وقد أخذ دور السارد الروائي والبطل في العمل الموسيقي”فصل الخريف في بيونس آيرس” لآستور بيازولا بعدما قام بتوزيعه أوركسترالياً، و كان الحضور اللافت للصنجات النحاسية والآلات الإيقاعية مع آلة الأجراس.
بدأت الأمسية بافتتاحية” إيغمونت لبيتهوفن” والتي تسرد بألحانها قصة حياة الكونت إيغمونت الذي أعدم دفاعاً عن مبادئه الإنسانية، فتميّزت بحالة التكثيف الوتري وظهور المساحة الكبيرة للوتريات في عمل درامي متوازن، وقد أخذت دور المعادل الصوتي اللحني مع حضور آلات النفخ الخشبية الواضح (الباصون والكلارينيت والفلوت) في تكرار لحني مع غياب آلات النفخ النحاسية التي تخاطب العاطفة وتثير المشاعر المتقلبة باستثناء الترومبيت في مواضع معينة، لتنتقل الفرقة إلى المحور الأساسي العمل السيمفوني الكامل لموتزارت” بحركاتها الأربع الأولى سريعة والمألوفة للجمهور وفي الحركة الثانية تباطأ اللحن مع الوتريات والألحان المرافقة للألحان الأساسية بمستوى لحني آخر (صوت ثخين) للتشيللو والكونترباص، ليتغير اللحن ويصبح راقصاً بمصاحبة آلات الفرقة كلها وحضور التيمباني يتوالى مع متتاليات سريعة في الحركة الرابعة.
كادينزا
في القسم الثاني من الأمسية شكّلت آلة الأكورديون الحضور الأكبر بحضور العازف العالمي وسام الشاعر، المؤلف والموزع الموسيقي وقائد فرقة أوغاريت الذي كان عازف صولو مع السيدة فيروز سنوات طويلة، وعزف مع الموسيقي العالمي رؤل ديبلاسيو ومع كبار المغنين العرب مثل كاظم الساهر وسامي كلارك، وأدخل آلة الأكورديون إلى الموسيقا التصويرية، بدأ بكادينزا (عزف ارتجالي منفرد) كان أشبه بتحية للجمهور الذي أعجب باستخدامه تقنيات هذه الآلة في زمن واحد، لينتقل إلى عملاق التانغو الأرجنتيني آستور بيازولا الذي قدم لوناً موسيقياً جديداً بدمجه بين التانغو والجاز والموسيقا الكلاسيكية وفق ما يسمى بالتانغو المعاصر الذي أدخل فيما بعد إلى موسيقانا العربية، من خلال العمل الموسيقي “فصل الخريف في بيونس آيرس” وهو من كونشيرتو الفصول الأربعة الذي كتبه بيازولا على آلة البانديون وهي من عائلة آلة الأكورديون، وقام الشاعر بتوزيعه أوركسترالياً على جميع آلات الفرقة بتشاركية البيانو مع العازف إياد جناوي، فأخذ الشاعر دور البطل في عزف المقطوعة لترافقه الفرقة وتكون مساندة للمحور الأساسي (الأكورديون) مستخدماً تقنيات الآلة كاملة مشكّلاً حالة تناغم وانسجام مع الفرقة التي توازنت فيها آلات النفخ الخشبية والوتريات مع الحضور الواضح لآلات النفخ النحاسية الترومبيت والترومبون والهورن والإيقاعيات في لوحة بانورامية موسيقية تترجم تقلبات الحياة تقدم لأول مرة على مسرح الأوبرا، وقد أبدى الجمهور إعجابه بهذا العمل الضخم.
الصنجات النحاسية
وكعادة معلولي الذي يقدم مقطوعة مألوفة في الموسيقا التصويرية اختار افتتاحية أوبريت” الخفاش” ليوهان اشتراوس الابن،والتي اقتبست ألحانها لتكون موسيقا تصويرية للعمل الكرتوني الشهير “توم وجيري” والقريبة من الناس بروح موسيقا الفالس ونغمات الوتريات الساحرة، لتتصاعد الوتيرة اللحنية مع العمل الأخير المقطوعة الأولى من كارمينا بورانا – كارل أورف- بمشاركة كورال المعهد العالي للموسيقا الذي تم تدريبه من قبل الفنان حسام الدين بريمو بغنائهم المقدمة باللغة اللاتينية المستمدة من القصيدة اللاتينية التي تختزل فلسفة الوجود والمشاعر المختلطة، وفق تقنية تعدد الأصوات (سوبرانو-آلتو-التينور-الباص) وتميّزت المقطوعة بتمازج وقع الصنجات النحاسية مع وقع الإيقاعيات والطبول الكبير وآلة أجراس في إيقاعات صاخبة تدل على ضجة الحياة تخاطب المشاعر الكامنة وتثير روحاً فرحة تهيم في عوالم صاخبة.
ملده شويكاني