ثقافة

باسم عبدو.. استشرف موته المبكر

كان من الصعب على من اجتمعوا في الندوة النقدية التي أقيمَت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة، وخُصِّصَت للحديث عن الأديب الراحل باسم عبدو بإدارة الإعلامي ملهم الصالح عدم التطرق لـ عبدو الإنسان، خاصة وأن غالبية الحضور كانوا من أصدقائه المقربين.. من هنا آثرت “البعث” التي حضرت الندوة أن تستمع لهؤلاء الأصدقاء قبل البدء بالندوة للتعرف على الوجه الآخر للراحل بعيداً ولو قليلاً عن نتاجه الإبداعي.
حياة الراحل تكاد لا تنفصل عن حياته الإبداعية، وقد كان من المبدعين القلائل الذين لا يعيشون حالة انفصام بين ما يكتبونه وما يؤمنون به، فكانت أخلاقه وسلوكياته الحياتية هي ذاتها التي يدعو إليها في كتاباته، لذلك يؤكد لنا صديق عمره الكاتب عوض سعود العوض الذي يعرفه منذ أربعين عاماً، أن خسارة عبدو كانت كبيرة على الصعيد الإنساني والأدبي، وخسارة أكبر له لأنه كان الأخ الذي لم تلده أمه، ويحزنه أن رحيل عبدو المفاجئ كان أكبر صفعة تلقاها في حياته، مشيراً إلى أن الراحل كان وفياً لأسرته ووطنه ومبادئه في الحزب الشيوعي السوري، ولفلسطين التي كتب عنها كثيراً وقد استطاع في فترة قصيرة أن يحجز مكاناً محترماً في عالم الإبداع روائياً وقصصياً ونقدياً، في حين يشير الشاعر سليمان السلمان إلى أن الراحل كان صديق عمره الصدوق، وهو لا يمكن أن ينسى تلك الابتسامة التي ظلت مرسومة على وجهه حتى آخر لحظة من حياته، وهي التي اعتاد أن يستقبل بها كل من يقابله، إضافة إلى صدقه الذي عُرِف به وكرمه ولطفه واستعداده للتضحية في سبيل عائلته وأدبه ووطنه، أما الكاتب د.عبد الله الشاهر فيتوقف ملياً عند الجانب الشخصي حيث لا يمكنه أن ينسى بساطة وطيبة ودماثة الراحل وانحيازه في الكتابة لحياة القاع الاجتماعي، فكتب عن الفقر والفقراء، وعالج مشكلات اجتماعية كثيرة، خاصة وأنه كان ابن بيئة ريفية فانعكس ذلك في كل كتاباته التي صاغها قصة ورواية بأسلوب جميل ورشيق أثّر من خلاله على القراء، كما أثّر فيهم من خلال أخلاقياته الشخصية والكتابية التي انتقلت منه للمقربين منه ولمتابعيه من القراء.
ويعتز الكاتب أيمن الحسن بصداقته للراحل وقد أمضيا سنوات طويلة في جمعية القصة والرواية، مشيراً إلى أنه لن ينسى تلك الابتسامة التي لم تغب يوماً عن وجه الراحل، وهو حزين لرحيله المفاجئ الذي ترك صدمة في نفوس محبيه وأصدقائه، ويرى الحسن أنه لا يختلف اثنان على أن التكريم الحقيقي لأي مبدع حيّ أو راحل هو في تناول أعماله بالدراسة والبحث، ليعرف الناس ماذا أنجز وأي مكان احتله في الساحة الأدبية.

الأخمض الخشبي
وعن تجربة الراحل الأدبية التي بدأها عام 1981وأنهاها القدر عام 2015 وقد تنوّعت بمؤلفات قصصية وروائية ونقدية ومهام حزبية يبحر أيمن الحسن من خلال الندوة في مجموعاته القصصية التسع، وخاصة مجموعته الأولى “الأخمض الخشبي 1991” التي تناول فيها الصراع الإقطاعي مع الفلاحين والمرابعين والدرك، وقضايا أخرى معاصرة لها علاقة ببحث خريجي الجامعات عن الوظائف، ولأنها كانت الوليد البكر له في القصة أعطاها من قلبه الكثير، فكان عربي الهوى فيها وفي كتاباته الأخرى التي تحدث فيها عن الأوضاع في فلسطين والجنوب اللبناني والعراق، منوهاً إلى أن الراحل بالمجمل كان كاتباً، ورجلاً مسالماً، مرهف الحس، لم يلجأ للعنف في كتاباته، كما كان وفياً لوالده فأهداه مجموعته الأولى، وكانت أغلب شخصياته من الرجال، كما كان وفياً لوالدته حين أهداها مجموعته الثانية “وجه القمر” وكانت أغلب شخصياتها من النساء، أما أسلوبه الساخر فقد ظهر في مجموعته الثالثة “الصفعة” موضحاً الحسن أن الراحل كتب قصة هي أجمل ما قرأه وكانت بعنوان “البراعم وحبات التوت” تحدث فيها بعمق عن الحرب على سورية.
زهرة في الرمال
ولم تكن رواياته التي كبتها “ألوان قزحية-جسر الموت-احتراق الضباب-زهرة في الرمال” بعيدة من حيث المضمون عن قصصه التي تناول فيها الإقطاعيين والمرابعين، إذ يشير الناقد أحمد علي هلال الذي شارك في الندوة إلى أن العالَم الروائي للراحل لم يكن منفصلاً عن مرجعيته السياسية والإيديولوجية، وقد كان معنياً بالتجريب بوصفه مغامرةٍ مدركٍ لماهيتها، حيث لم يذهب إلى التجريب غير المعلَّل، موضحاً أن الراحل كان يستثمر الكثير من إرث الحكايات الشعبية التي كانت العنصر الأساسي في بعض أعماله فيبدأها بما نعرفه لينطلق بعد ذلك بحس السخرية إلى اتجاهات أخرى عبر لغة تكون حاملاً أساسياً لعالمه الروائي، منوهاً إلى أنه كروائيّ كان يتكئ على الشخصيات الإشكالية والمركبة، مثل شخصية عائشة في رواية “جسر الموت” مؤكداً أنه استشرف في روايته الأخيرة “زهرة في الرمال” ما يحدث في سورية اليوم.

المنجَز الأهم
المنجز الأهم الذي فضَّل الحديث عنه الناقد د.عاطف البطرس هو أسرة الراحل المتماسكة، الوطنية والتقدمية وفي مقدمتها زوجته السيدة سميرة التي لو لم تكن إلى جانبه لما وصل عبدو لما وصل إليه، وهي التي ساعدته على التفرغ لإنتاجه الإبداعي، مشيراً إلى التنوع لدى الراحل الذي يجب أن يكون موضع دراسة وبحث، متسائلاً: “تُرى لو ركّز عبدو جهوده الكتابية على جنس واحد كيف كان إنتاجه؟” ملمحاً البطرس في كلامه إلى أن تنوع الأجناس يبدد الجهود ولحظة التميز، وفي الوقت ذاته فإن الغنى الداخلي والمعرفي لدى البعض أكبر من أن يحتويه جنس واحد، موضحاً أن الراحل في سنواته العشر الأخيرة كان يعمل وهو في سباق مع الزمن وكأنه يستشرف موته المبكر.
وختم الجميع شهاداتهم بالاتفاق على أن أبرز ما يميز مسيرة الراحل إنتاجه الغزير وتنوع كتاباته وواقعيته، متمنين على النقد أن يؤدي دوره في تسليط الضوء على ما كتبه.
أمينة عباس