تمازج الموسيقى الشرقية والغربية في ملتقى البزق
سحر النغمات وعتمة الغموض رافقت آلات “البزق والطنبورة التي أطلق عليها صوت الأفلاك والباغلمة” رغم أنها اتسمت بخصائص موسيقية حافظت على التراث الموسيقي للأغنية الكردية الملحمية والشعبية، والتي هي جزء من الأغنية السورية من حيث السلم الموسيقي والمقامات والتداخلات الارتجالية في مناطق مختلفة من سورية.
التقت هذه الآلات في الملتقى الخامس لآلة البزق على مسرح الأوبرا عبر ثلاثة أيام متتالية، بغية إعادة إحياء هذه الآلات التي تغيب عن الأمسيات الشرقية باستثناء البزق الذي يكون له حضور في بعض أمسيات التخت الشرقي، ورغم قلة ظهور الطنبورة والباغلمة وهما من عائلة البزق- الوتريات القديمة – إلا أن عشاقها العازفين الذين يتقنون فنونها، يحافظون على ديمومتها من خلال فرق صغيرة تنشط في مناطقها مثل فرقة (شياروجودي وسرحد وآزادي) وجدوا في الملتقى فرصة للتواصل مع الجمهور وإعادة إطلاقها في الأمسيات من خلال التشاركية الثنائية والجماعية للآلات الإيقاعية الغربية والشرقية (الدرامز والطبلة والدف) والبيانو والعود والأكورديون والتشيللو والكونترباص والكمان والغيتار، وهذه التشاركية التي أدرجت ضمن فقرات متتالية وكانت أشبه بفصول الرواية، هي الأمر الملفت والأساسي في الملتقى إذ أوضحت الخصائص اللحنية والصوتية لهذه الآلات الغامضة مع تقنيات الآلات المعروفة والمألوفة لدى الجمهور، إضافة إلى فقرات العزف المنفرد التي تألق فيها بعض العازفين مثل العازف محمد درويش.
وكان للملتقى دور في التعريف بأنماط العزف الكلاسيكي والشعبي والتوقف عند أساليب القفلة بين الرش والثلثية والقفلة الصادمة.
الأمر اللافت أيضاً تشاركية بعض العازفين الأكاديميين الذين يدرسون آلة البزق في المعهد العالي للموسيقا أو في معهد صلحي الوادي أو في كلية التربية الموسيقية مع العازفين، الذين تعلموا على يد أساتذة محترفين وتدربوا بانضمامهم إلى الفرق الصغيرة ليصل عددهم إلى خمسة وعشرين عازفاً من مناطق مختلفة.
تباينت ردود فعل الحاضرين وفق الفروقات الفردية بين العازفين ووفق قدرتهم على الانسجام مع هذه الآلات القديمة.
تقاسيم العود والبزق
أيضاً قدمت في الملتقى فقرة جماعية مؤلفة من أربعة عازفين: علي رمضان عازف بزق ونزيه أسعد عازف عود وعبد الجواد حريتاني عازف تشيللو وجمال السقا عازف إيقاع “الدف والمزهر” عزفت سماعي نهاوند من التراث لمنير بشير وتم التوزيع على جميع الآلات مع الدور الأول للبزق، الذي يمتاز بصوت حاد وناعم في وقت واحد، ويتألف من وترين مزدوجين “صول ودو” وبقية الآلات كانت مرافقة مع التفاعل الواضح بين الإيقاعات الشرقية التي أخذت دورها في مواضع معينة، أما المقطوعة الثانية فكانت باسم “بشرف” وهي توليفة موسيقية بين التراث الكردي والتركي، وبدا التناغم واضحاً بين تقاسيم العود والبزق.
وفي فقرة ثانية بدت جمالية التشاركية مع إيقاعات الطبلة المتدرجة بين مستويات متعددة، ومحمد شريف بارافي عازف البزق، في حالة موسيقية متناغمة لاسيما أن مقامات الأغنيات الكردية على مقام البيات والكرد تتميز بالإيقاعات السريعة والفرحة، واستمرت هذه الحالة بالتشاركية أيضا بين الدرامز المؤلف من قياسات متعددة للطبول، والذي اشتهر بعزف موسيقا الجاز الصاخبة والطنبورة التي تمتاز بزند طويل تتركز عليه مجموعة من الدساتين التي تحدد العلامات الموسيقية وتمتاز بنغمات أكثر حدة من البزق. وتألق فعلاً محمد درويش بالعزف المنفرد على آلة الطنبورة بتوليفة من التراث الكردي والتركي.
الريشة المقلوبة
المفاجأة التي شدت الحاضرين كانت وجود الفنان العالمي رامي حاج حسين المعماري والفنان الذي يرسم على الماء، والذي عزف على آلة الطنبورة بالأسلوب الكلاسيكي الشرقي القائم على توضيح السلالم المركبة والمقامات المركبة وفق السلم الشرقي “53” كومة، وفي الملتقى استخدم تقنيات الآلة، وبدت مهارته الواضحة في استخدام أساليب مختلفة لقفلة المقطوعة، وما يميّز الحاج حسين أنه ألّف عدة مقطوعات لآلة الطنبورة منها: حلم أبيض وحنين، وقدم في الملتقى بعض الارتجالات من مقام النهاوند وحجاز كار مع مقطوعة سماعي نهاوند لوجدي سيحون. لكن اللافت كان مقطوعة رقص البنفسج وهي من تأليفه أيضاً، وكما أوضح فإن هذه المقطوعة تقوم على أهم قوالب السيرتو من مقام النكريز مستخدما أساليب عدة بتقنيات العزف على الطنبورة كالريشة المقلوبة والثلثية والرش.
وفي منحى آخر تشارك مع عازف الأوكرديون العالمي وسام الشاعر بمقطوعة ارتجالية اسمها نازو تعني الدلال في إطار تجارب موسيقية، تضم آلة شرقية كلاسيكية شرقية الطنبورة مع آلة غربية عريقة الأكروديون، فكانت توليفة موسيقية غريبة تفتح آفاقاً جديدة في عوالم التشاركية الموسيقية.
ملده شويكاني