ثقافة

روح الشّاعر.. مرآة الدنيا

سهيل الشعار

وُجد البرق ليلتمع ويُشعل ما حوله بالجمر  والنار، مُخّصباً أرحام الغيوم القابلة للحمل، والمستعدّة لأن تلد الأمطار والثلوج.
لغة البرق، هي لغة الضوء والنار، فهو لا يعرف التّحدث إلا بها، ولا يُجيد التـّواصل مع مَن حوله إلا من خلالها.
إن لكلّ شيء في الحياة لغته الخاصة، فمثلما للأشجار لغتها من ورق وأغصان وثمار، تُعرف بها، تُوزن وتُقدّر على حسب عطائها، كذلك للناس أيضاً لغاتهم، بها يُعرفون، ومن خلالها تصل إبداعاتهم ولوحاتهم وقصائدهم. ومَن لا يعطي الثمار، قد يعطي الجمر والنار. ألا نحتاج أحياناً لجذوع الشجر وأغصانها اليابسة لخبزِ عجيننا، وطهي طعامنا؟.
إن اللغة أداة لاصقة، تثبّت فشل النّاس وانتصاراتهم، نجاحاتهم وإخفاقاتهم، إقدامهم وانهزامهم، وهي كالمرايا اللامعة، لا ذنب لها إذا نظرت إليها الوجوه القبيحة، والعيون اللئيمة. و هل تُلام الشمس إذا أشرقت على الحشائش والطحالب؟ أو ترخص الأرض إذا سكنتها الضباع والتماسيح، أو تقل قيمة اللآلئ والأحجار الكريمة إذا حصل عليها عُبّاد الفلوس، وصغار النفوس؟.
والارتفاع لغة الجبال، والسكوت والصمت، لغة الورود والينابيع، والضوء والحرارة لغة الشّمس والنجوم، والتواصل والالتقاء بأرضٍ جديدة بعيدة لغة البحار والمحيطات التي تربط كالجسور القارات بعضها ببعض، وقلع اليابس وأخذ الخفيف من لغات الأعاصير والعواصف، وحمل الثلوج ونقل مياه الينابيع والأمطار إلى السهول والوديان لغة لا تقدر على التكّلم بها سوى الأنهار العظيمة، وتطهير النّفوس وتقليم الأظافر ومخاطبة الأرواح. لغة لا أحد يستطيع التكّلم بها غير الفلاسفة والشعراء. “ألا يمسّ الشعر العدم فتسري فيه الحياة..”؟.
أليس لغة الشاعر وكلام الفيلسوف يد سحريّة تُنزل الستائر عن جمال الوجود، ومفتاح ذهبي يفتح خزائن الأسرار والكنوز؟.
إنها لغة الشاعر، التي تختبئ خلفها روح عظيمة، وكلام الفيلسوف الذي يكمن وراءه البصيرة العميقة.
اللغة جسد الشعر، لا تكون إلا به، مثلما الوردة قميص العطر لا يكون إلا بها. وقد يكون هنالك موهبة أخرى، لا تقل أهمية عن موهبة الشعر وكلام الفلاسفة، ألا وهي أن تُقال القصائد بين أهلها، والكلام الحكيم بين مُحبّيه، فلكلٍّ وقته وزمانه، فلا يأتي الشتاء قبل الخريف، ولا الصيف بعد الربيع.
يُدهَش الشاعر فيُدهِش، ويحترق الفيلسوف فيُضيء. فطوبى لك أيها الشاعر، ومرحى لك أيها الفيلسوف.. يا مرايا الكون، ومفاتيح الوجود.
Souheil-alchaar@hotmail.com