ثقافة

رانيا معصراني: في زمن الحرب علينا حماية التراث المحلي

الفن العجمي هو فن الزخارف على الخشب، ويعود تاريخه إلى ما يقارب 1300 عام، وينسب المؤرخون هذا الفن إلى المهندسين والفنيين من بلاد العجم والعراق والشام في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان ألذي أمر بعمل زخارف للمسجد الأقصى لم تكن معهودة من قبل، وبناء عليه ابتدع المهندسون فناً مستوحى من الزخارف النباتية، وأطلق عليه فيما بعد تسمية الفن العجمي.
وقد تميزت أعمال الفنانة رانيا معصراني في هذا الفن، مع أنها في بداياتها ابدعت في الموسيقى، لكن ما لبث الفن الدمشقي أن غلب على أعمالها فاتجهت إلى فن العجمي والنحت. وفي هذا الحوار معها تتحدث الفنانة معصراني عن تجربتها، والمؤثرات التي دفعت بها إلى ساحة الفن التشكيلي وهي خريجة المعهد العالي للموسيقى فتقول:
>> كنت عازفة كمان في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية. أحببت الرسم منذ طفولتي وكنت أرسم بالحبر الصيني، ثم صرت أرسم بالألوان المائية، فاتبعت دورة في مرسم الفنانة التشكيلية سوسن جلال، وأفادتني دروس خاصة في الرسم المائي عند الفنان الراحل محمد الوهيبي، ودروس عند الفنان خليل عكاري وبعض الدروس السريعة عند الفنان حمود شنتوت، وكنت دائماً أعرض ما أعمله على الراحل الكبير نذير نبعة الذي يقدر ضرورة حماية الفنان من التقليد والنقل ليجد أسلوبه الخاص. وخلال عملي في الموسيقى زرت معارض للفن التشكيلي منها معرض رودان في باريس، إضافة إلى أن الألوان ليست بعيدة عن الأصوات الموسيقية. كما أنني خلال دورة في الخزف اكتشفت النحت في تعاملي مع مادة الطين وأحببته.
> ولماذا اتجهت نحو العمل في العجمي؟ وماهو مستقبل هذا الفن؟ وكيف يمكن أن نساهم في حمايته وبقائه؟
>> اتبعت دورة تعليم العجمي في متحف دمشق التاريخي، بعد جولات في دمشق القديمة ومشاهدتي لبيوتها المزينة بالعجمي، استهواني تنفيذ رسومي بطريقة هذا الفن، ورضيت عن النتيجة، واكتشفت خلال ذلك أن الفنان العربي القديم كان يحول بالرسم العجمي مادة الخشب البسيطة إلى تحف فنية جميلة.
من خلال العمل شعرت بأن التقنيات القديمة تستطيع أن تعيش بأساليب جديدة وتحقق حاجات معاصرة، وهذه الطريقة تضمن استمرار الفن العجمي من خلال المزج بين القديم والمعاصر والحفاظ على تقاليد هذا الفن، لكن لايعجبني اللعب بالألوان الذي يشوه رصانة وبهجة ألوان العجمي.
> وماهي المشاركات الفنية التي ساهمت فيها؟
>>  شاركت في عدة معارض جماعية: لوحات زيتية ومائية في عدد من الصالات والمراكز الثقافية السورية والأجنبية. إضافة للمعارض الفردية التي أقمتها في سورية والبلدان العربية، والتي تنوعت بين الزيتي والمائي، والتصوير الضوئي، إضافة إلى مشاركتي بعمل نحتي في أول معرض أقيم في افتتاح المركز الوطني للفنون البصرية.
> ماهي ملاحظاتك على المعارض الفنية؟
>> يعتبر الفن التشكيلي من أهم الفنون في سورية. قدم لنا أعمالاً لرسامين كبار مثل نذير نبعة ونصير شورى وميشيل كرشة وإلياس زيات ومحمود حماد ولؤي كيالي وجيل آخر قبلهم، وجيل آخر أتى بعدهم، وأظن أن هذا التراث الغني يمثل مادة مهمة للفنانين الشباب يمكن أن يستفادوا منه. ولايفوتنا هنا الإشارة إلى ضرورة أن  يستمد الفن مادته من البيئة المحلية الغنية بالموضوعات، فالحرب التي تعاني من ويلاتها سورية توحي بالكثير من الأفكار والموضوعات علينا توثيقها عبر أعمالنا الفنية في  المستقبل. لكني شعرت من مسابقات النحت التي رعتها محافظة دمشق قبل الحرب، بأن النحت يهرب من تجسيد الملامح الإنسانية ويقدم كتلاً رمزية. مع أن النحت السوري القديم يتميز بالتجسيد الحي. وأمنيتي أن تزين منحوتات فنانينا ساحات مدننا.
> برأيك كيف يمكن أن نحقق انتشار الفنون في بلادنا؟
>> لايستطيع فنان واحد أو مجموعة فنانين أن تنشر الفن، فقد ساهمت صالة الشعب والمراكز الثقافية والصالات الخاصة في تنظيم المعارض، لكن نقل الأعمال الفنية إلى المؤسسات والمدارس والكتب المدرسية يمكن أن يحققه فقط برنامج وطني يجعل الفن لازماً في الحياة اليومية، بما يرتقي بالذائقة الفنية للناس، وقد لاحظت في فرنسا أن الأطفال يزورون المتاحف مع مرافقين يشرحون لهم الأعمال الفنية. ونحن يجب أن ننمي ثقافة أطفالنا بالفن ونجعله جزءاً من ثقافتهم ونثبت دور الفن في التربية.
> وماذا تحدثينا عن صعوبات العمل في النحت وفي الفن بشكل عام؟
>> العمل الفني يحتاج للتوافق بين الموضوع الذي نريد التعبير عنه وبين حالتنا الروحية والنفسية، وانسجامه مع ذوقنا الخاص. فأعمالي التي اشتغلتها عن فلسطين كنت متأثرة بما يعانيه الشعب الفلسطيني من تعسف الاحتلال الصهيوني، وأثناء العمل يتساءل الفنان فيما إذا عبّر بالشكل الملائم أم قصّر في تعبيره عن الموضوع الذي أراده؟ أما النحت فهو فن صعب لأنه يجسد أمامنا التوافق بين الفكرة وأدائها، أو الفشل فيه، وهنا تكمن صعوبة فن النحت، لكن في الرسم قد يختفى ذلك، إضافة إلى أنه في الفن يجب أن نسمع صوت الواقع. فوجع الناس في الحرب مثلاً نعبّر عنه بإضفاء مسحة حزن على ملامح الوجه وتشكيل الجسم، بشكل مباشر حيناً وحيناً عبر الرموز، بالنسبة لي أحب التعبير عن العواطف في ملامح الوجه ووضع اليدين.
> كيف نساهم في انتشار الفن؟ وهل يمكن ربطه بحاجات المجتمع وتوظيفه في استخدامات مختلفة؟
>> مهمة الفن تجميل حياة الناس، فرسوم الإنسان على صخور المغاور حولتها من كهوف إلى قاعات جميلة. المسألة الأولى تكمن في كيفية إدخال اللوحة والمنحوتة إلى البيوت، والمسألة الثانية متصلة بالأولى وهي كيف نزين المدينة بالمنحوتات ونزين المؤسسات بالرسوم؟ لذلك تزين المنحوتات واجهات المباني في بعض المدن العريقة، وتزين الحدائق بالتماثيل. ووجود التماثيل في المتاحف والمعابد السورية والعراقية،  يؤكد أن النحت جزء من حضارة منطقتنا.
ولنا في تجربة الفنان موفق مخول ومجموعة من الفنانين الذين شاركوه هذه التجربة خير مثال على أهمية تزيين المؤسسات والمدارس بالأعمال الفنية والزخرفات، مما يؤكد على حضور الفن في حياتنا لزمن طويل .

ابتسام المغربي