“قمر على الشرق” ينير مسرح الأوبرا
من قلب الموت والدمار تنهض جماهير الرقة من احتراقها لتحتفل بالذكرى السبعين لعيد الجلاء على مسرح الأوبرا، عبر إحدى عشرة لوحة تضمنها العمل المسرحي الراقص “قمر على الشرق” للفرقة الوطنية السورية للفنون الشعبية- فرقة الرقة سابقاً – بإشراف مؤسسها الفنان إسماعيل العجيلي، اختزلت مقاومة الرقة وصمودها بفنية رمزية ودلالية للتراث الشعبي للرقة الذي هو جزء من تراثنا، جمع بين الغناء والرقص الشعبي في لوحات مع الرقص التعبيري في مواضع معينة متداخلة بحبكة درامية مع الجمل الموسيقية الراقصة والأزياء،والسينوغرافيا التي أوحت بالأجواء العربية الأصيلة بكل ما تحمله من قيم بالاتكاء إلى أدوات دلالية مثل بيت الشعر والرمح والخيل والسيف، مع الإضاءة المركبة لتدرجات اللون الأصفر الذي يشير إلى آثار الرقة التي تعرضت لتخريب داعش، وقد تنوعت اللوحات بين الإفرادية والجماعية وحضور الصوليست على وقع الموسيقا التراثية المعتمدة على آلات الموسيقا الشرقية بالتركيز على الناي والطبلة مع دخول الربابة في مواضع.
الأمر الهام أن العرض المسرحي الغنائي تزامن مع إطلاق وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل تسمية فرقة الرقة بقيادة الفنان إسماعيل عجيلي “بالفرقة الوطنية السورية للفنون الشعبية” التي تمثل جميع أطياف المجتمع السوري، والتي تعاونت سابقاً مع كبار الكتّاب والملحنين والمغنين العرب، وشاركت في مهرجانات دولية وعربية منها مهرجان الشباب كوريا، وأسبوع السياحة العالمي في باريس.وكما قال معاون وزير الثقافة توفيق إمام “إن انطلاقة الفرقة كانت بتوجيه من وزير الثقافة عصام خليل بجمع أعضاء الفرقة ولمّ شملها من جديد، لاسيما أنها تشمل الأطياف السورية من عشر محافظات، تعبّر عن سورية الصامدة المتماسكة المتألقة بتنوعها وفنونها، وانطلاق الفرقة اليوم في عيد الجلاء يؤكد على استمرار عروضها”.
الأمر اللافت أيضاً الحضور الكبير لجماهير الرقة والمدن المحيطة بها، إذ تحوّل مسرح الأوبرا إلى مكان يجمع المهجّرين من مدنهم، فكانت ملامحهم تعكس حنينهم إلى مدينتهم وبيوتهم وأهلهم، فأثار العرض شجونهم وأعاد ذكرياتهم إلى صورة العروض السابقة التي كانت أقوى وأجمل لأنها عكست حالة الفرح التي كان يعيشها شعبنا في زمن الأمان.
حوارية غزلية
بدأت الأمسية بتحية إلى الوطن من خلال لوحة راية العلالي تأليف موسى زغيب وألحان إيلي شويري يتضح ارتباطها بلوحات العرض الأخيرة، تبعتها فقرات العرض الغنائي الدرامي الذي انطلق برتم هادئ وتصاعد تدريجياً وصولاً إلى اللوحات المشهدية الرمزية التي توصل رسالة العرض إلى المتلقين، والمتمثلة بصمود سورية بأكملها والرقة وما حولها التي عانت من قسوة داعش وهمجية الإرهاب على الصعيد الإنساني والحياتي، من خلال لوحات إفرادية وجماعية، وقد تألقت حركة الراقصين الذين أظهروا سرعةً في الحركة وتماسكاًفي اللوحات الجماعية أكثر من الراقصات، وبعد التحية قدمت مطربة الفرقة رنيم عساف ذات الصوت المتميز التي وصفت العرض “بأنه يمثل سورية” وصلة غناء إفرادي فلكلوري عاطفي، تبعتها ثنائية حوارية غزلية بمشاركة الفنان عصام سكر الذي غنى اللون البدوي، في إيماءة إلى الحياة الهانئة الوادعة التي كانت تعيشها الرقة قبل اندلاع الحرب الطاحنة.
وبحركة تصاعدية انطلق “قمر على الشرق” المؤلف من عشر لوحات تأليف وشعر د.باسم القاسم وألحان شربل روحانا، غناء سيمون عبيد وعلي حليحل وخولة الحسن وسمية بعلبكي، ليرتبط مع المحور الأساسي للسينوغرافيا بيت الشعر الذي يرمز إلى القيم العربية الأصيلة، وحضور عكيد القوم ومتابعة المبارزة بالسيوف والرماح بين الفرسان إيماءة إلى تاريخنا المشرق بالبطولة والنضال، باعتماد الفنان العجيلي بصورة خاصة هنا على المؤثرات الصوتية بإدخال صوت صهيل الخيول مع الموسيقا، وبدا حضور المرأة القوي من خلال عدة لوحات راقصة تمثل أيضاً طقوس الزواج بوصول الحبيبة بالهودج كما في لوحة “يا خطار الليل” غناء خولة الحسن، تبعتها لوحة وصول الصبايا إلى البئر لملء الجرار، فكانت لوحة مميزة للراقصات التي أخذت في بعض المواضع ملامح الرقص التعبيري.
المعركة وغزو القبيلة
أما اللوحة الأساسية “غزو العدو للقبيلة” التي تحمل رسالة العرض ككل والتي مثلت بفنية رمزية هجوم داعش على الرقة وتصدي الفرسان بالرماح والسيوف الأعداء، واشتداد الاشتباكات لتعكس الإضاءة الصاخبة لتدرجات اللون الأصفر حالة درامية تعبّر عن الدمار والتخريب الذي طال الآثار التي عمرها آلاف السنين.
استقبال الشهيد
في لوحة “حربي” غناء خولة الحسن تتضح الصورة باستقبال الشهيد في مشهد تعبيري يركز على قوة احتمال المرأة السورية التي فقدت الأخ والزوج والابن والحبيب، وعلى تصميمها على الصمود ومتابعة النضال وفاءً للشهداء كما في اللوحة الأخيرة “يابنية العربان” لينتهي العرض بلوحة جماعية تؤكد على صمود جميع أبناء الشعب السوري .
ملده شويكاني