“بـطـاريـة ضعـيفـة” يـفـوز بـذهبـيـة مـهـرجـان أفــلام الـشـبـاب خليل: لن نترك موهوبينا في منتصف الطريق”
نعدّ الشباب الموهوب أن وزارة الثقافة لن تتركهم في منتصف الطريق وسنساعدهم حتى يتوجوا جميعاً نجوماً في السينما العربية بما يقدمون من جدّ واجتهاد”.
هذه الكلمات قالها وزير الثقافة عصام خليل أثناء توزيع الجوائز في مهرجان سينما الشباب الثالث، الذي مازال ينهل أفكاره من تبعات الحرب الطاحنة وانعكاساتها على مجمل سلوكيات حياتنا لتجسد الشروخات النفسية، لكن بعمق أكثر من خلال تناول زوايا حادة منها بدلاً من العموميات وفق مبدأ الاجتزاء من الكل، أو تبني حالة كموقف يكون ركيزة الفيلم. وفي منحى آخر تطرق إلى إشكاليات اجتماعية مازالت قائمة.
لقد أثبتت الدورة الثالثة للمهرجان أن الموهبة وحدها لاتكفي لصناعة فيلم سينمائي ومتابعة مسيرة السينما السورية، فكما أوضح المخرج نجدة أنزور في بيان لجنة التحكيم بأن عدداً من المشاركين لا يراعون طبيعة الفيلم القصير من حيث البنية الدرامية وطبيعة الخطاب، وبعضهم الآخر يتخذ من الدراما التلفزيونية مرجعية، وهناك من تصدى لأفكار كبيرة بإمكانات بسيطة فحال دون تقديمها بشكل جيد، إضافة إلى ضعف توظيف الموسيقا في بعض الأفلام والاعتماد على التصوير في أماكن مهجورة، فاقترح إعادة النظر بالنصوص وإخضاع المشاركين لدورات تدريبية وتخصصية تصقل موهبتهم. ورغم ذلك كان هناك تطور واضح في مجال الموسيقا التصويرية إذ شارك عازف البيانو الأكاديمي إياد جناوي في تأليف الموسيقا لثلاثة عشر فيلماً حصل أغلبها على جوائز، وكانت قرارات لجنة التحكيم صائبة ومتوافقة إلى حدّ ما مع الآراء المتباينة للجمهور، وتم انتقاء أفضل الأفلام بكل دقة وشفافية في منح الجوائز التي تضمنت فرصة إخراج فيلم احترافي مع مبلغ مالي.
اللقطة الواحدة
حصل فيلم “بطارية ضعيفة” على الجائزة الذهبية سيناريو وإخراج قتيبة الخوص، الذي أظهر من خلال خمس عشرة دقيقة أسلوبه الإخراجي المتميز بإتباعه تقنية اللقطة الواحدة “ون شوت” دون انقطاع لتقديم مشهد متكامل بالاعتماد على تقنية الصورة البصرية التي تتماهى في مواضع بين اللقطة الواقعية والاهتزازية.
خطوط الحقيقة
في حين ذهبت الجائزة الفضية لفيلم “سليمى” سيناريو وإخراج حسام شراباتي الذي تفوقت فيه لغة الإخراج على مضمون الحكاية التي ربما تكون غير مقنعة من حيث بعض الجزئيات مثل قضية التبني، بالتداخل بين الحاضر والفلاش باك فيمضي الفيلم بين زمنين اجتياح الكويت والزمن الحالي، بالاعتماد على جمالية اللقطة من خلال المكان (بيت عربي قديم) في باب شرقي بالقرب من كنيسة حنانيا، والذي يحمل رسالة الحبّ والأصالة والعراقة الموجودة في دمشق القديمة كصورة غير مباشرة عن التشبث بجذورنا، فأظهر المخرج البعد النفسي لموسيقا الزمن الجميل عبر إحدى أغنيات عبد الوهاب.
المرأة الخاسر الأكبر
أما الجائزة البرونزية فكانت لفيلم “أنين” سيناريو وإخراج فادي إلياس الذي يتطرق بفنية مباشرة إلى النتائج الكارثية للعمليات الإرهابية التي دمّرت مدناً بأكملها، فكان المنزل المتهدم وسط خراب طال الحي المحور الأساسي للفيلم الصامت، فبدأت الكاميرا بنسج حكاية امرأة تفقد ابنها بدلالة جمعها ألعابه من تحت الأنقاض وارتباطها بسريره الصغير، يكرر المخرج مشاهد الأنين والوجع التي كانت مطولة، لكنه يتفوق في المشاهد الأخيرة حينما تحرق الألعاب في السرير وتخرج من المنزل، لتنسحب قصتها على عدة نساء يسحبن الحبال التي تعقد حول الألعاب وراءهن كإيماءة واضحة بضرورة الاستمرار والتماسك وإعادة إعمار سورية.
عودة إلى شارلي شابلن
وذهبت جائزة أفضل إخراج لفيلم “سينما ميكنغ أوف” سيناريو وإخراج المهند حيدر الذي حصل في الدورة الماضية على الجائزة الذهبية، وجاء فيلمه سينما ميكنغ أوف بأسلوبية جديدة تعتمد على التجريب والابتعاد عن التراجيديا، وتبني الكوميديا في هذا الزمن الصعب عبر مستويين دراميين الأول ظاهري والثاني خفي، وبدا من الواضح تماماً تأثره بأفلام شارلي شابلن الصامتة من حيث الإيقاع المتسارع للصورة وكوميدية الحركة بالاعتماد على أداء الممثلين من خلال تنفيذ مشهد تمثيلي لعاشقين، يتعرضان لمعارضة من الأهل ينتهي بلقطة مضحكة حينما ترتبط العاشقة بقاتل حبيبها، ليتعمد المخرج استعراض جهود العاملين في الصوت والإضاءة والديكور والماكياج والأزياء في أجواء كوميدية.
موت الأمل
أما جائزة أفضل سيناريو فنالها فيلم “موعد مع المطر” سيناريو وإخراج شادي شاهين ، وقد تميّز الفيلم بإخراج لافت من خلال الربط بين الحالة المشهدية والبعد النفسي للشخوص وصولاً إلى الأمل المفقود الذي يودي إلى النهاية المحتومة.
الانطلاق نحو البداية
وحصل فيلم “البداية” سيناريو وإخراج علي الماغوط على جائزة لجنة التحكيم الخاصة إذ يتطرق بفنية مباشرة إلى تأثير الأزمة على الأطفال من خلال حكاية طفل يفقد والديه وتبقى اللعبة بين يديه، نجح المخرج بالحرفية التي تعامل بها مع الحدث بتقنية الاسترجاع والاستباق بالتركيب بين زمنين، من غرفة الجلوس المهدمة إلى الحديقة الآمنة مع الأم والأب إلى صورة الطفل مع اللعبة، يتماهى من خلفه شاب ينظر بحزن إلى اللعبة ذاتها، لنراها في المشهد الأخير وحيدة على المقعد في الحديقة بدلالة رمزية إلى التخلي عن أوجاع الماضي والانطلاق نحو بداية جديدة.
أمل لمرضى التوحد
بعض الأفلام تطرقت إلى إشكاليات اجتماعية يتعلق بعضها بالأمراض النفسية مثل مرض التوحد الذي يعاني منه كثير من الأطفال مثل فيلم” ورد” سيناريو وإخراج رهف خضور الذي حاز جائزة تنويه لمضمونه الإنساني.
واختتم المهرجان الذي أقيم تحت شعار تحية إلى مروان حداد بتقديم تحية إلى روح المخرج خلدون المالح الذي رحل عم دنيانا أول أمس.
ملده شويكاني