“حارس الحبق” تجليات خطاب العشق في شعر توفيق أحمد
النص الشعري العربي يتطور ويتقدم ويحقق ذاك الحضور اللافت, لكن النقد لايتطور مع تطور وتقدم القصيدة, يثلج الصدر بروز نقاد يتماهون مع تقدم الشعر والمقاربة الحقيقية وملامسة المنجز الشعري.
“حارس الحبق” تجليات خطاب العشق في شعر توفيق أحمد كتاب صادر عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب – للدكتور هايل الطالب. يقع الكتاب في 224 صفحة من القطع الكبير ويتضمن خمسة فصول الأول: شرفات العشق ومداراته – الثاني: مكابدات العشق والفعل السردي – الثالث: ضفاف المعشوقين – الرابع: جماليات المكان المعشوق – الخامس البنية الفنية للقصيدة – السادس: المتخيل البلاغي لخطاب العشق.
في مقدمة الكتاب يقول المؤلف: “نحاول في هذه المقدمة الإجابة عن سؤالين نقديين يواجهان أي مقاربة نقدية لتجربة شاعر واحد؟ ويمكن صياغتهما في حالتنا بالآتي: لماذا توفيق أحمد؟ ولماذا تجليات العشق في منجزه الشعري؟ وإذا انطلقت الإجابة من النوايا الحسنة للسائل, فإنه يمكن القول إن أي تجربة شعرية قدمت منجزها الشعري تستحق العناية النقدية, بل ربما تصبح القراءة النقدية واجبة, لاسيما أن النقد قد أهمل كثيراً دراسة التجارب الشعرية السورية منفردة وانحاز إلى دراسة الظواهر النقدية, وهذا مالا نلمحه في تجارب نقدية عربية, ويمكن أخذ مصر نموذجاً.
والسؤال الثاني لماذا خطاب العشق؟ إذ لاتكاد تخلو قصيدة من قصائد توفيق أحمد من الاحتفاء بهذا (الُمتمنّع) الذي يقال إنه العشق أو الحب، فحينما نتحدث عنه كظاهرة ذات مستويات من حيث الأهداف والحوافز والخصائص، فإنما نتحدث عنه باعتباره خطاباً احتفلت به الثقافة العربية في عصورها المختلفة والثقافات العالمية, إنه ظاهرة تضرب في العمق النفسي والتاريخي للإنسان.، “فالكلام في الحب هو بحث عن الفردوس المفقود” – في الفصل الأول يتناول الناقد شرفات العشق ومداراته, ويتوقف طويلا عند الخمر في الشعر. يقول: “تتعدد مواطن النشوة واللذّة في الخمر لتستثير جميع الحواس, يلح الشاعر الأحمد على القيمة الفنية للخمر, كلفظة ذات غنى دلالي, وهي موظفة بوظيفتين أساسيتين: الوظيفة النفسية والفكرية والوظيفة الجمالية:
يقول الشاعر: “كيف نشكو إليك يا ليل همّا/ مثلما أنت ساهر العينين مضنى/ فاسكبي يا حبيبتي العمر كأساً/نتساقاه كلما الليل جنّا”. وبما أن للمكان حظوة كبيرة لدى الشاعر فهو يعتبر أن المكان جزء أساسي من ذاكرته وذكرياته، ومنذ بواكير قصائده كان لديّه نزوع باتجاه استحضار المكان الأول الذي شهد تفتح وعيه وطفولته وشبابه… ففي الفصل الرابع (جماليات المكان المعشوق) يقول: ليست العلاقة بين الشاعر ومكان وجوده الأول علاقة عابرة بل هي علاقة محفورة في الذاكرة: “يابلدتي شابت على قدميك إبرة أمي السمراء/وهي تطرّز الأشجار ثوباً للربيع المنتظر/ كوني التراب على قميص غوايتي/أكن المطر” ص 126.
التالي في فصل البنية الفنية للقصيدة الومضة القصيدة القصيرة المكثفة جداً. عز الدين المناصرة أول من أطلق عليها القصيدة القصيرة, لقباً عربياً اسماه التوقيعة وهي بحسب المناصرة قصيدة قصيرة مكثفة تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية يقول توفيق أحمد: “لو كان لدي ما أتمناه لتمنيت أن أعقد حواراً بين الطواغيت والمجانين/بين الأعناق والمشانق بين السكارى والحانات/بيني وبين المرأة التي سرقت جوّالي لتكلم عشيقها” ص 158
أحمد عساف