في أولى تجاربه السينمائية الروائية أحمد إبراهيم أحمد: “ما ورد” حكاية سورية ترويها الوردة الجورية
بعد نجاحه في عالم الدراما التلفزيونية يدخل المخرج أحمد إبراهيم محراب عالم السينما بحكايته السورية الخالصة من خلال “ما ورد” سيناريو سامر محمد إسماعيل عن رواية “عندما يقرع الجرس” لمحمود عبد الواحد ليروي من خلالها حكاية بدأت في الخمسينيات بين أحضان الطبيعة الخلابة حيث اختار المخرج منطقة رخلة القابعة بين أحضان طبيعة جبل الشيخ مكاناً لتلك الحكاية المعطرة برائحة الوردة الجورية البطلة الحقيقية للفيلم.
الصعوبات لا تؤخذ بالاعتبار
ويبيّن إبراهيم أحمد لصحيفة “البعث” التي زارته في موقع التصوير وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى هذا الموقع الذي اختاره بين أحضان جبل الشيخ أن هذه الصعوبات لا تؤخذ بعين الاعتبار عند إيجاد الشرط الفني الذي يسعى إليه المخرج، مشيراً إلى أن الكثير من الأعمال الدرامية قد صورت في أماكن أخطر وأبعد، وأحياناً في مناطق بعيدة يضطر فيها الممثل للغياب عن بيته أسابيع، في حين يعتبر بأنه ما زال يصور في ظروف طبيعية لينتقل بعدها إلى مناطق أخرى في طرطوس وحمص.. أما الورد الجوري في فيلمه فيرمز للإنسان السوري الذي كان وما زال مطمعاً للغرباء، حيث تدور الأحداث في ضيعة عرفت بزراعتها للوردة الجورية التي يعتبر عطرها في أوروبا من أغنى العطور “داما روز” ويأسف كما هي العادة بأننا لم نعرف قيمة هذه الوردة إلا بعد فترة طويلة، ليتناول الفيلم عدة مراحل مرت بها سورية، الأولى في بداية الخمسينيات وهي مرحلة شيخ الكتاب التي يعبّر عنها عبد اللطيف عبد الحميد ممثلاً من خلال شخصية “الشيخ قحطان”، والمرحلة الليبرالية البرجوازية التي يعبّر عنها الفنان رامز الأسود من خلال شخصية المغترب السوري وزوجته الفرنسية لوسيان التي تجسدها الفنانة نورا رحال، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ثورة الثامن من آذار واستلام حزب البعث العربي الاشتراكي للسلطة، والتي يعبّر عنها الفنان فادي صبيح من خلال شخصية الأستاذ.
ضرورة تناول الأزمة
ولا يخفي إبراهيم أحمد أن النص الذي كتب قبل الأزمة تم تعديله بحيث لا يغرد خارج سربها مؤكداً أنه كان من الضروري تناول الأزمة عبر هذا العمل، حيث بات من الصعب تقديم عمل وكأن شيئاً لم يحدث في سورية، فتمّت إضافة بعض المشاهد بحيث يبدأ الفيلم من يومنا هذا ومن ثمّ الرجوع بالذاكرة إلى الوراء، فتحضر الأزمة من خلال بعض الشخصيات التي وظفت درامياً بشكل صحيح، ودون إقحام لتعبّر عما يجري اليوم بعيداً عن المباشرة، ومن خلال العديد من الرموز والدلالات، مشيراً إلى انه وعلى الرغم من أن الفيلم يرصد عدة مراحل مرت بها سورية، إلا أن الهدف الأساسي بالنسبة لأي مخرج في أي عمل سينمائي، هو تقديم صيغة درامية فنية بعيداً عن الوقوع في مطب التوثيق والمباشرة، لأن مهمة الفن عموماً وفي “ما ورد” خصوصاً ليس التوثيق الذي هو من مهمة مراكز خاصة به، لتكون مهمة السينما تقديم حكاية يتمتع بها المشاهد أولاً، موضحاً إبراهيم أحمد في الوقت نفسه أنه ولتناول تلك الحقب من تاريخ سورية كان لديه خياران، إما أن يأخذ المشاهد لتلك الحقب أو أن يُحضر تلك الحقب إلى المُشاهِد، فوقع اختياره على الخيار الثاني تجنباً للوقوع في مطب التوثيق من خلال التقطيع والعمليات الفنية الصحيحة.
ولخصوصية المراحل التاريخية المتناولَة في الفيلم، لم يكن اختيار الممثلين المشاركين بالأمر السهل على المخرج إبراهيم أحمد معترفاً بأنه لم يكن لديه مشكلة في اختيار الشخصيات الذكورية، وأن المشكلة كانت في اختيار الشخصيات النسائية لاسيما شخصية بطلة الفيلم نوارة، التي تشبه شخصية مالينا في الفيلم الايطالي الشهير، والتي تعمل في تقطير زيت الوردة الشامية وإغواء ثلاث شخصيات في الفيلم، لذلك كان من الضروري برأيه إجراء اختبارات لعدد من الممثلات ليقع اختياره في النهاية على الممثلة رهام عبد العزيز، آخذاً بعين الاعتبار أن تتمتع الممثلة بجمال طبيعي بعيداً عن عمليات التجميل، حتى لا يلومه المشاهد ويتهمه بعدم حسن الاختيار وحتى يكون العمل حقيقياً.
صداقة متينة مع عبد الحميد
وعن طبيعة العلاقة التي تربطه بالمخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذي يتواجد كممثل في “ما ورد”، في الوقت الذي سبق وأن تواجد إبراهيم أحمد كممثل في فيلمه “أنا وأنت وأمي وأبي”، يبين أن صداقة متينة تربطه بعبد الحميد الذي كان عمله معه كممثل في فيلمه الأخير، لأنه كان يتمنى أن يقف وراء كاميرته كونه من أهم المخرجين في تاريخ السينما السورية، وبالتالي فإن أي فنان يحلم بالوقوف أمام كاميرته.. من هنا فإن وجوده في فيلمه “ما ورد” هو مكسب حقيقي للفيلم بشكل عام، ولإبراهيم أحمد بشكل خاص، نافياً أن يكون وجود عبد الحميد رد جميل لمشاركته في فيلمه، إنما لأنه قادر على تجسيد الشكل الحقيقي للشيخ في الفيلم فكان مقنعاً لدرجة أن المشاهد سيرى عبد الحميد كممثل بطريقة مختلفة عما سبق ورآه في الأفلام التي شارك فيها. ولا ينكر إبراهيم أحمد أن عبد الحميد كمخرج قدم له بعض الملاحظات، ولم يحاول قط أن يفرض شخصيته كمخرج، ولا غرابة في ذلك وهو المعروف بلباقته ورقته وصفاء سريرته.
حالة صحية
وكمخرج تلفزيوني يدخل عالم السينما لأول مرة بعد عدة تجارب تلفزيونية، يوضح أن أدوات أي مخرج سينمائي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطبيعة النص المكتوب، فالمادة النصية هي التي تفرض على المخرج الأسلوب الذي من المفترض أن يتّبعه مع الأخذ بعين الاعتبار الأسلوبية السينمائية المتعارف عليها، والتي تقوم على جمالية الصورة والتكوين والاشتغال على الصعيد البصري، مبيناً أن طبيعة العمل في التلفزيون تختلف عنه في السينما، باعتبار التلفزيون مادة استهلاكية يتطلب العمل فيه السرعة في الانجاز، في حين أن السينما تحتاج إلى الوقت وعدم التسرع في الإنجاز وإعطاء كل لقطة وكل مشهد حقه التام.
وعن ظاهرة اتجاه المخرجين السينمائيين نحو التلفزيون والعكس وإن كانت هذه الحالة إيجابية يشير إبراهيم أحمد إلى أنها حالة صحية لأن الفن عموماً يقوم على عدة تجارب وبالتالي من حق المخرج السينمائي أن يذهب إلى التلفزيون ومن حق المخرج التلفزيوني أن يذهب إلى السينما، منوهاً إلى أن كلتا الحالتين تشكلان إضافة حقيقية لكلا الفنين، موضحاً أكثر أن ذهاب مخرج سينمائي كجود سعيد باتجاه التلفزيون من خلال مسلسله الأول “أحمر” يحسّن ويعدّل الشرط الإنتاجي الموجود، كما يحسن الحالة الفنية الموجودة بعد أن أصابها العطب.
يشارك في الفيلم أمانة والي، يوسف المقبل، وسيم قزق، لجين إسماعيل، الطفل علي حسين وغيرهم وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
أمينة عباس