ثقافة

“وسقط الجدار” مكاشفة الحقيقة ضمن تقنيات الرواية المختزلة

“وسقط الجدار” عنوان يشدّ القارئ إلى ما يخفيه من أسرار أو وقائع تدفعه إلى تخيلات كثيرة تتماهى ضمن خطوط رومانسية الدكتور إسكندر لوقا المتغلغلة في سطور رواياته السابقة مثل “رحلة جسد، ضياع في غابة، غريب أنا في بيتي وغيرها…” لكنه في روايته الجديدة “وسقط الجدار” الصادرة عن دار الشرق للطباعة والنشر والتوزيع يسقط الجدار عن حقيقة شخوص موجودة في مجتمعنا تعيش بازدواجية التناقضات.

ويلخص من خلال سلوكياتها ملفات الفساد والتهريب والسرقة وغياب الضمير. إلا أنه أيضاً يدخل في متاهات اجتماعية قادتهم إلى قضبان السجن وربما بعضهم كان ضحية السجن الأكبر سجن الحياة، لنكتشف في نهاية المطاف أن د. لوقا يختزل الحياة بكل ما فيها عبر رواية.
الأمر اللافت التجربة الروائية التي تبنّى مقوماتها د. لوقا بتقديم الرواية المختزلة عن سمات الرواية من حيث الامتداد الزمني، وتعدد الأمكنة والشخوص،وفنية الوصف، والتعمق في سيكولوجية الشخصية ورسم ملامحها الخارجية، وتحليل المواقف والتبدلات الزمنية التي تطال المشاعر، وقد حافظ د. لوقا الملقب بعميد الاختزال على كل هذه العناصر ضمن صفحات روايته القليلة مقارنة مع صفحات أية رواية.
القدرة الكبيرة على الاختزال ضمن تقنية الاستباق والاسترجاع وتكثيف الحدث والمزاوجة بين الماضي والحاضر عبْر تداعيات، جعلت القارئ يبحر في مداخل الاختزال ويبذل جهداً في قراءة الفهم حتى يربط بين الشخوص والأحداث. واختار لوقا اللغة الواقعية التي تناسب المواقع التي تعيشها شخوصه والقابعة في بيئات فقيرة وبعيدة عن الاستقلالية الذاتية، فأوصلت البطل إلى المكان الأساسي في الرواية “السجن” الذي تنطلق منه المكاشفات الحقيقية للشخوص التي تفرض وجودها في المجتمع منذ زمن الاحتلال الفرنسي إلى هزيمة 1967 وما بعد.
من النارنج إلى السجن
يبدأ الكاتب مباشرة بهيمنة السارد “أدهم” الشخصية الرئيسية في الرواية بما يشبه الاعتراف بخلف الجدار الذي يوصل إلى حفرة عميقة، فيعود الكاتب بالامتداد الزمني إلى الوراء إلى مرحلة الشباب إلى لحظة اعترافه “بتحرشه” بابنة الجيران عبير خلف شجرة النارنج في صحن الدار الذي يتشارك فيه مع عدة أسر، هذه المتعة الصغيرة قادته إلى السجن لتبدأ مجريات الرواية من هناك، فيسرد فصولها المتعاقبة من خلال قصة كل شخص رافقه في الزنزانة الجماعية، فمن القبضاي الذي كان شاهداً على الواقعة وأدخله إلى السجن بعد شهادته، وهو الذي طعن جندياً فرنسياً لأنه حاول الاعتداء على امرأة مطلقة وتعيش مع ابنتها الصغيرة ، إلى المهجع رقم 7 الذي سمع فيه اعترافات تحرشات ضد الصبية والبنات وطالت المحرمات أيضاً، لتبقى صورة جريمته مع عبير لا تفارقه.
من السجن إلى الحارة
واقترب الكاتب من تقنية المزاوجة بين الماضي والحاضر بعد خروج أدهم من السجن وغياب الحدث الأساسي الذي يمثله المنزل الجماعي الذي تسكن فيه عبير بإقامة عدة منازل مكانه، إلى دخول شخصية ربيع وقصة حبه لهناء، ودخول الكاتب أتون احتراق المشاعر وانبعاث دخان الحزن بقرار هناء الزواج من أحد أقربائها والسفر إلى سان باولو ليبقى ربيع حاضراً في أعماقها في كل الأزمنة، إلى عودة أدهم في سرده إلى الماضي إلى شخصية أبي مثقال الرجل الذي يقوم بتهريب ممنوعات عن طريق الحدود مع بيروت، فبعد خروجهما من السجن اتفقا على متابعة عمليات التهريب. وتمكن أدهم خلال هذه الفترة من جمع مال يكفيه لبداية حياة جديدة لاسيما أن (أبو مثقال) قتل في عملية مداهمة. وفي القسم الثاني من الرواية ينتقل الكاتب من شخوص السجن إلى شخوص الحارة فتدخل كوثر حياة أدهم ويتزوجها، لتكون مناسبة ليحلل الكاتب الأوضاع الحياتية التي ألّمت بأمتنا عقب هزيمة 1967.

تزرع تقطف
تمضي الصفحات نحو سقوط الجدار وتأكيد الكاتب على أن الماضي لا يموت وأن أخطاء الماضي لابد أن يدفع الإنسان ثمنها، فبعد مرور سنوات يكتشف أدهم أن ابنته صفاء على علاقة مع جلال ابن جارتهم أمينة لتأتي النهاية الصادمة وغير المتوقعة، فأمينة هي عبير بعد أن غيّرت اسمها وأجرت عملية تجميل، ليسقط الجدار “تزرع تقطف”.
شخوص كثيرة درجت ضمن الرواية وجدوا أنفسهم في السجن لأنهم كانوا ضحية السجن الأكبر سجن الحياة، بعضهم أراد حماية بقية أفراد الأسرة بتأمين دخل غير مشروع مثل فهد والنمر، وبعضهم كان ضحية العادات الاجتماعية مثل عارف الذي أخذ بالثأر، وبرهان الذي تعرض للقتل من قبل زوجاته الثلاث، إلى شخصية السجان الذي كان يبكي على حكايات السجناء التي أوصلتهم إلى قضبانه.
ملده شويكاني