ثقافة

الوردة والحريق

لا تملك الأرانب قروناً كي تنطح بها الذئاب, ولا الوردة الجميلة يشفع لها عطرها أمام الحريق, فهي لا تملك إلّا أن تمنح عطرها للجميع.. ولا اللّغم يثور إلّا إذا داسته الأقدام, ولا الفخ يصطاد إلّا إذا كان مفتوحاً, ولا البحر يغضب إلّا لينتقم من أولئك الذين يرمون قذاراتهم في مياهه وعلى شواطئه. ومهما تكاثفت الغيوم السود في السماء الواسعة, فلن تحجب عنّا رؤية الأفق إلّا إلى حين. وقلّة الابتسام في وجه السّفيه حسنة, وطول الغياب عن اللئام راحة للقلب, وصحّة للعيون.
العقول أوعية
تشبه عقولنا الأوعية والأواني الفارغة, بعضنا يملؤها بالقمامة والورق اليابس والخردة, وبعضنا يحشوها بالمعرفة والوعي وحبّ الناس. والقلوب أراض, بعضها محروث ومسمّد بالرحمة والتّسامح, وبعضها أراض بور, عقاربها أكثر من حجارتها, وأشواكها أكثف من ورودها.
والأرض لا تُعطي إلّا ما يُزرع فيها, إن كان قمحاً طحنه الناس وعجنوه وخبزوه, وإن كان شوكاً وتبناً لن يأكله إلّا الدواب, ولا يصلح إلّا وقوداً للنار.
يطير الفراش بعد خروجه من شرنقته بساعة أو أقل, وقد يمضي بعض الناس حياتهم كلها دون أن يرتفعوا ولو شبراً واحداً عن سطح الأرض. وليست العبرة في الأعوام, بل في الأعمال, فصحيح أن عمر الوردة قصير, لكنه العمر الذي يترك خلفه آثاراً عطرة, وسمعة طيبة.
سرّ الحياة وخلودها
صحيح أن الجبال العالية, والبحار الواسعة, والأراضي الخصبة, وغروب الشمس وشروقها, وطلوع القمر وظهور النجوم وتساقط الثلوج وانهمار المطر, ووجوه بعض النساء الفاتنات, أشياء وأحياء لا يمكنها أن تكتب الشعر, أو أن تؤلّف الرّوايات وتخلق الألحان. لكنها بالمقابل تفعل أكثر من ذلك بكثير, فلولاها لما كان الشّعر, ولما كُتبت الروايات العظيمة, ولا وُجدت اللوحات السّاحرة, أو سُمعت الموسيقا، فقدرة وسحر وعظمة تلك الأحياء والأشياء, أنها تُوحي وترمز, تُشير ولا تُفسّر, تقول ولا تشرح, وعلى الفنان المبدع, والكاتب الموهوب, والموسيقي الحسّاس, أن يستخرج من تلك المواد والعناصر فنّهُ وإبداعه.
ألا يوجد في حياتنا رجال ونساء يستخرجون الذهب والياقوت من بواطن الأرض ومغاور الجبال؟ كذلك بالمقابل يوجد رجال ونساء رسالتهم في الحياة الكشف عن سرّ الحياة وخلودها, ونادراً ما يحدث ذلك إلّا من خلال الفن والأدب.
لذلك، على المبدع الحقيقي, صاحب الرسالة الإنسانية الكبيرة, أن يكون كالبوصلة, تهدي ولا تقود, وكالنجوم اللّامعة, إذا ضاعت البوصلة. إنّما على مَن ينظر إلى النجوم العالية أن يعرف مدلولاتها ورموزها, وإلى ماذا تُشير, فلا يكفي أن نقود السّفينة, بل المهم أن نقودها إلى الشواطئ الآمنة, والميناء الصحيح. لكن الأكثرية ممّن حولنا, لا يهمّهم إلى أين نسير مادامت الرياح تجري مع أشرعتهم, ومصالحهم الشخصية!.
يُقال: تُحبّ البهائم والدّواب التبّن والشعير, لكنها أبداً لا تتعب في زراعته؟.
سهيل الشعار
Souheil-alchaar@hotmail.com