ثقافة

أوراقها كثيرة .. وثمارها مستحيلة..

لكلّ مقام مقال في هذه الحياة, ولكل قدره ومكانته, ورسالته فوق هذه الأرض التي نحيا عليها, فلا يصحّ أن يُمثّل أدوار العمالقة الصغار والأقزام, ولا أن يتسلّق البعض الجبال العالية وأيديهم في جيوبهم, ولا أن نستعير أجنحة الصقور لنضعها على أجنحة البعوض والذباب, ولا أنياب النمور تصلح أن تكون أنياباً لبنات آوى, مثل ذلك كمثل من يبني القلاع من الثلج والجليد ليحتمي من أشعة الشمس وغبار الصيف, أو كمن يقيم السّدود والبيوت على مياه جارية.
وكل يمنح حسب أصله, ويُعطي ويتصرّف حسب تربيته وأخلاقه, فالنّحلة تأخذ من الورود رحيقها دون أن تخرّب جمال الورود أو تلوّث رائحتها, ومن الشمس نورها ودفئها, ومن الهواء وسيلة للوصول إلى بيتها.. وبالمقابل, فإن النحلة لا تُعطي إلّا عسلاً نافعاً, فقد أخذت طيباً وأعطت أطيب, بصمت عملت وكوّنت سمعتها, وبنت مملكتها, وبصمت وتواضع منحت نتيجة أعمالها لمن حولها..
(عندما نقطع شجرة سنديان, يدوي الغاب كله بصدى سقوطها، في حين أن مئة حبّة من البلوط يبذرها النسيم في الأرض بصمت وسكون…).
والفراشة تهب سحرها ورقّتها لمن يقدّر الجمال ومعناه, والورد كذلك, وإن كنّا نجد الكثير ممّن يعيشون حولنا يأكلون الورد دون شمّ رائحته!.
إن الغراب لن ينقلب إلى حمامة وديعة بمجرّد دهن ريشه باللون الأبيض, والأفاعي لن تطير مهما ابتلعت من أجنحته, والثعالب لن تغيّر من عاداتها وإن أطعمناها العسل, والجّحش لن يصبح حصاناً إذا أكل مع الأحصنة, وزُيّن جسمه بسروج من ذهب!.
ولا جدوى أبداً من بذر قمحٍ منخور في تربة طيّبة, أو زراعة الكرز والليمون في أرض عطشى, حبلى بالصخور والأشواك.
إن الزوابع الزائفة لا تأخذ معها إلّا الغبار والورق اليابس, وكل صفير وضجيج قد لا يصدر إلّا عن كل شيء خاوٍ وفارغ, ألا نرى في أحيان كثيرة أشجاراً كبيرة وعالية كالحور, مرتفعة في قاماتها متدنّية في عطائها, أوراقها كثيرة, وثمارها مستحيلة, تصفر فيها الريح, ويردّد جسدها صدى عواء الثعالب, وفحيح الأفاعي.
(وكما في الأبنية الكبيرة, قد يُجيب الصدى وليس هناك شخص, كذلك في الناس مَن له صورة الإنسان وليس بإنسان.
إن بعض الناس مثل الزهور الصّناعية, يسرّك مرآها من بعيد، فإذا اقتربت منها, وشممتها, سقطت من عينك!).
سهيل الشعار
souheil-alchaar@hotmail.com