ثقافة

حَجَر “الندم”

بشرى الحكيم

كي تصلح الحياة، وتكون مكاناَ قابلاَ “للحياة” ليس على حوادثها أن تكون عبثية بشكل صرف، إذ لا بد لأي شيء يدور من حولنا أن يحمل معنى ما، مغزى ما أو شيئاَ من العبرة؛ سواء كبرت أم كانت مجرد عبرة صغيرة.
ولأخذ العبرة؛ وفي أزمنة معينة ربما مغرقة في قِدَمها، كان على الناس مكرهين أو راغبين “وهؤلاء متواجدين بشكل طبيعي” كان عليهم الالتزام بحضور ومشاهدة عمليات الإعدام وتطبيق الأحكام بحق المجرمين والمذنبين، ذلك للتأكد من إحداث التأثير المرجو في الناس؛ وربما بغية قتل ما تبقى فيهم من أحاسيس أو بقية من كرامات، ولذا دائما ما نفذت تلك الأحكام علناَ، وفي الساحات العامة غالباَ؛ ليُعمد بعدها إلى الإبقاء على هؤلاء معلقين من أعناقهم على المشانق، أو مثبتين على صلبانهم أياماَ، بغية التأكد من وصول الرسالة والأثر إلى أكبر عدد ممكن من “المشاهدين” ولنا أن نتخيل كيف ستمضي الليل بعد مشهد مماثل، هل تغمض بعدها عين أو يسكن قلب؟.
ولأننا اليوم أكثر تحضراَ ولو قليلاَ؛ فعلى الأمور أن تواكب العصر المتسارع الذاهب فينا إلى الهاوية إن استطاع، إذ تكفي بعض مشاهد عنفٍ في مقطع فيديو قصير لتفعل فعلها، أو عملاَ درامياَ يحمل ما يحمل من مشاهد متقنة، تدعم السيناريو المرسوم فتتم المهمة المرجوة، في القضاء على ما تبقى من إنسانية الإنسان، بل ودفعه إلى التوحش و”الحيونة” المدروسة والمتزايدة، وإن هي إلا تجارة يتم التركيز فيها على المطلوب، وكما يستدرج البعض إلى “الإدمان” بكل أنواعه، تستدرج أجيالنا اليوم إلى إدمان “العنف” مشاهدةَ أو ممارسة.
وأمر المعالجة منوط بنا، وبدرامانا التي باتت مواسم تُنتظر على أحرّ من الجمر من قبل الجميع، ولديها الفرصة لتقديم نفسها حجراَ أساسياَ في بناء ما تهدم على مدى سنوات، وللحق لعل هذا الموسم يحمل بوادر وعي منها للأمر، إذ يلوح في بداياته شيئاَ من إدراك للمطب الذي وقعت فيه في الموسم السابق من مشاهد مباشرة وقاسية لعنف حقيقي، فابتعدت عنه حتى الآن… في إشارة على إبداء ندمِ خجول لذنبِ اقترفته، فحاولت التعويض بإرساء حجرِ في البناء؛ على الأقل بـ “الندم” الجميل الذي مسّ أعمق المشاعر في حلقاته العشر التي عرضت حتى الآن، فحمل العبرة والدرس الذي يساهم في بناء إنساننا الجديد؛ والقيم التي نروم.