ثقافة

رزق الهبل ..

جلال نديم صالح
اعتدت أن أراه أثناء مروري في نفس المكان يجلس بثيابه الأنيقة وشعره المصفف بعناية ونظارته الكبيرة التي تغطي جزءاً كبيراً من وجهه، وبعد عدة محاولات تمكنت بصعوبة من التقرب إليه لمعرفة بعض التفاصيل عن حياته، وقد كان في البداية حذراً في الإجابة على أسئلتي، وكان يرمقني بنظرات يشوبها الشك والريبة وانعدام الثقة مكتفياً بإجاباته المقتضبة. هو مسعود أو الدكتور مسعود كما يفضل أن يناديه الجميع ويقدم نفسه كطبيب أعشاب مختص درس طب الأعشاب في الصين مع أنه حصل على الإعدادية بصعوبة كما أخبرني لاحقاً، ولم يتمكن من إتمام دراسته. ومن من ينظر للصرر الصغيرة المحيطة به والملفوفة بعناية بأكياس ورقية ويقرأ الكتابات عليها يخال نفسه أمام معجزة من معجزات الطب، هناك وصفات لجميع الأمراض الصدفية والقرحة والسلس البولي..وغيرها الكثير، إضافة للعديد من الأمراض المستعصية التي  يقف الطب الحديث عاجزاً أمامها إلى الآن. بعد أن توطدت معرفتي به وبالرغم من أنني ممن يؤمنون بالقدرة السحرية لبعض النباتات في مجال الطب إذا أحسن استخدامها على يد خبير، سألته هل تعالج هذه الوصفات الأمراض حقاً فضحك قائلاً الشفاء بيد الله وأدام الله لنا سوق البزورية وبطبيعة الحال الأدوية المصنعة مضرة، وأنا على الأقل أبيع المنتجات الطبيعية من النباتات المعروفة هنا وبالقليل من التمويه والخبرة يصعب على الزبون اكتشاف المكونات، وهي إن لم تنفع فعلى الأقل لا تضر، ومن منا لا يشرب شاي الأعشاب “الزهورات” في منزله، وعندما سألته ألا تشعر بتأنيب الضمير وأنت تغش الناس البسطاء؟ نظر إليّ وقال كأنك تعيش في كوكب آخر، الذكي اليوم هو من يستطيع تدبير نفسه بأي طريقة، ثم لست الوحيد الذي يغش الناس في طعامهم وشرابهم ووصفاتي على الأقل لا تؤذي وأنا لا أجبر أحداً على الشراء، ومادام الزبون مقتنعاً فأين المشكلة، ومن قال لك إن زبائني جميعاً من البسطاء، لدي زبائن يحملون شهادات عليا أصبحوا يواظبون على زيارتي بعد أن استفادوا من خلطاتي التي اشتروها. إلى اليوم وكلما مررت بذلك المكان أجده جالساً ألقي التحية عليه مبتسماً :مرحبا دكتور.. وأنا أقول في نفسي عندما أرى أمامه من يشرح له بانهماك مشكلته الصحية آملاً أن يجد الشفاء على يديه، فعلاً  “رزق الهبل على المجانين”.