ثقافة

حول السرد الحكائي ولغة السينما

أهدي ملتقى السرديات الذي حمل عنوان: “الرواية السورية والسينما- السرد الحكائي ولغة الكاميرا”، لروح الناقد السينمائي بشار إبراهيم، وقد أخذ الملتقى صيغة الحوار والاختلاف بالآراء، ولم يقف عند حدود السينما السورية التي اتكأت في جانب كبير منها على الرواية السورية، إذ امتدت المناقشات المطوّلة إلى السينما العربية، وبالتحديد سينما نجيب محفوظ، وقدمت مداخلات أغنت المحور الأساسي فيه، ليخلص إلى أن رؤية المخرج هي التي تحدد مدى ارتباط الفيلم بالرواية المكتوبة وفق فهمه لخلفياتها، وإلى أهمية المؤسسة العامة للسينما التي تموّل الأفلام، وتترك الحرية الكاملة للمخرج، في الوقت الذي تفتقر فيه الكثير من الدول إلى هذا الدعم، كما ذكر المخرج سمير ذكرى، وإلى ضرورة تسويق السينما السورية، والعمل على عرضها جماهيرياً، بناء على اقتراح الفنانة جيانا عيد، وفي منحى آخر ترك الباب موارباً لكثير من التساؤلات، أهمها أيهما أجمل الفيلم أم الرواية؟ ودور القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي؟.

أزمة ثقافة

وأشار الإعلامي جمال الجيش في تقديمه للملتقى إلى أن علاقة السينما بالرواية علاقة إشكالية وحميمة، رغم أن لكل منهما طرائقه بالتعبير، لكن ثمة مشتركاً بينهما، لاسيما أنهما ينتميان إلى الأدب.

العمل الجماعي

وبيّن المشرف على الملتقى د. عاطف البطرس سبب اختياره العلاقة بين الرواية والسينما لتكون محور الملتقى، ليس تعصباً للرواية، فهي جنس من الفنون الأدبية، ولكن برأيه الرواية حاضنة التنوع والتعدد الموجود في الطبيعة والمجتمع، بينما السينما هي فن الجماعة وضبط الإيقاع، وآخر ما توصلت إليه التقانات لنقل الكلمة إلى الشاشة، وأوضح بأن هذا ليس عملاً سهلاً، فمعظم الأعمال لم تكن موفقة على صعيد السينما العالمية.

تشابه مخادع

وقدم الناقد أحمد هلال “عرضاً بانورامياً للأعمال الروائية”، فبدأ بتاريخية العلاقة بين الرواية والسينما السورية، واستعرض الأفلام التي عرضت، والتي لم تعرض بعد، وبيّن أن الجنسين مختلفان على الرغم من أنهما ينتميان إلى الفن، فالسينما تنفصل انفصالاً تاماً تبعاً لفرضيات المخرج الذي ينظر إليه على أنه مؤلف ثان لا يعتمد على النص الروائي تماماً، فتقع مفارقات تؤدي إلى تساؤلات تتمحور حول الزمن الروائي، وهل يكون ذاته في الفيلم؟ لينتقل إلى فكرة الإخلاص للرواية، فالفيلم لا يكون مخلصاً تماماً للرواية كونه يصادر الكثير من الخيالات الروائية لغايات تقنية، ويتوقف عند فكرة أن الرواية والفيلم يكادان لا يتطابقان، لذلك على المتفرج ألا يتذكر الرواية حينما يشاهد الفيلم، ليصل الناقد هلال إلى ماهية العلاقة التي وصفها بالإشكالية بينهما، وإلى مفارقات سردية مقابل مفارقات سينمائية تجعل قارئ الرواية لا يتنازل عما قرأه، ويحاجج المخرج صانع الفيلم بتساؤلاته، ليصل إلى المعادلة بين التفكير بالصورة أو بالكلمة، لتبقى إشكاليات مفتوحة، وتساءل حول إذا كانت السينما قد أثبتت قدرتها على امتصاص الخطاب الروائي لتذهب إلى التجريب؟.

التعاون بين الروائي والمخرج

وحظي الملتقى بحضور الروائي فيصل خرتش القادم من حلب ليشارك بالحديث عن تجربته بتحويل روايته “تراب الغرباء” إلى السينما، فتحدث عن البطل عبد الرحمن الكواكبي، ودوره بمحاربة الجهل والاستبداد، ليتحدث خرتش عن مراحل تنفيذ الفيلم، وحضوره التصوير، ومراحل العمل، والنقطة الهامة التي أشار إليها المخرج ذكرى هي بعض المواضع التي أضافها خرتش بناء على طلبه، وبيّن أن الكواكبي كان أحد الشخوص في الفيلم، وقد حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة.

وتحدث المخرج سمير ذكرى عن السينما التي جسدت الخيال بالصوت والصورة والتقنيات، متوقفاً عند تجربته في فيلم: “حادثة النصف متر”، عن رواية صبري موسى، وبطولة جيانا عيد، إذ أضاف إلى السيناريو خلفية حرب (67) عن الهزيمة التي بدأت من داخل الإنسان قبل أن تظهر على الجبهة، ما جعل الروائي موسى يأخذ من سيناريو فيلمه لتنفيذ فيلم مصري، ويقول في حوار تلفزيوني حينما سئل أيهما أفضل الفيلم المصري أم السوري؟ فيجيب موسى: “الفيلم السوري لأن سمير ذكرى ذهب بعيداً عن الرواية، لكنه ذهب عميقاً فيها”.

كونشيرتو الحبكة

ثم انتقل ذكرى للحديث عن تجربة جديدة مع رواية غادة السمان: “الرواية المستحيلة” التي أخذ عنها فيلمه حراس الصمت، والتي كانت رواية صعبة لاعتمادها على الفلاش باك، ما تطلب جهداً كبيراً لكتابة السيناريو وتحويله من نص أدبي إلى نص حركي بصري، كما تطرق إلى تجربته مع رواية: “المتشائل” للروائي اميل حبيبي، وهي رواية صعبة لأنها مكتوبة بصيغة الأنا، فحوّلها المخرج إلى صيغة الغائب “هو”، أما عن تجربته في بقايا صور فخرج عن الحبكة الوحيدة، وكتب السيناريو ككونشيرتو مؤلف من ثلاث حركات دمجها المخرج نبيل المالح الذي كان متأثراً آنذاك بالواقعية الأمريكية، فكان فيلماً رائعاً.

علاقة تكاملية

وترى الفنانة جيانا عيد التي كانت ضيفة شرف في الملتقى عن “علاقة الممثل بالشخصية الروائية”، بأن العلاقة بين السينما والرواية ليست علاقة إشكالية، وإنما هي قيمة مضافة، وبيّنت بأن ما ميّز السينما السورية هو اتكاؤها على الرواية السورية والعربية، وتابعت بأن الفن الروائي عالم متكامل يدخل بتفاصيل الحالة السياسية، والاجتماعية، والفنية، وهذا ما يضاف إلى العمل السينمائي، ثم انتقلت إلى فكرة أخرى، وهي رؤية المخرج التي تعتمد على حالة اصطفاء، فقراءته الخاصة للرواية، وتجسيده الفيلم يشكّلان للتاريخ والفن الروائي قيمة مضافة، وبرأيها هي تكاملية، ونوّهت إلى عدم التطرف لجنس معين لنصل إلى ما نريد أن نقوله، سواء أكان في الرواية أم في السينما، لنصنع حالة ثقافية إبداعية.

أما عن دورها كممثلة بإضافة تفاصيل إلى الشخصية، فترى بأن الممثل في المسرح هو بطل الخشبة، أما في السينما فالممثل مؤطر بحدود العمل السينمائي المرتبط مع الصورة، والمونولوج، والمؤثرات الفنية في رؤية واحدة عبر خط متصل ومحدد يريده المخرج.

ضعف الارتباط بالرواية

في نهاية الملتقى كانت هناك استفسارات وتساؤلات طالت السينما العالمية، وبيّنت الآراء أن السينما السوفييتية كانت أكثر إخلاصاً للرواية، وأشارت الناقدة ثرية يعقوبي إلى أن المشاهد قد يصاب بخيبة أمل حينما يشاهد الفيلم المستمد من الرواية، لذلك لابد من الفصل بينهما وفقاً لقراءة المخرج، في حين تحدث الناقد ملهم الصالح عن فكرة هامة، وهي ارتباط الفيلم بأحداث الرواية بشكل ضعيف، ما يجعل الرواية باهتة، ليتساءل: لماذا التمسك باسم الرواية في هذه الحالة؟.. لينهي د. عاطف البطرس بأن الغاية من الملتقى قد تحققت بنسبة كبيرة، ليس من الناحية المعرفية فقط، وإنما من الناحية السلوكية أيضاً، فرسالتنا أن نعيش بسلام رغم اختلافنا بالرأي.

ملده شويكاني