ثقافة

المال السايب

بشرى الحكيم

نعترف وبثقة تامة أنّ الأرقام التي نتداولها في حياتنا اليومية ومعاملاتنا الرسمية هي أرقام هندية، بالرغم من أن العالم أجمع يستخدم الأرقام العربية “إلا نحن” وهي الأرقام التي تشهد التنقيبات الأثرية والرُقُم؛ أن منبتها من هذه الأرض وأن مبدعها هو الراهب السرياني “ساويرا” ابن مدينة نصيبين السريانية السورية، و”ساويرس أو سفيروس” عالم سوري كان يدرس الرياضيات والفلسفة في الدير المعروف بدير قنسرين في ريف حلب، وهو أول من وضع دراسة ومخططاَ علمياً للأرقام السورية، معتمداَ في دراسته تلك على حساب الزوايا الموجودة فيها، كان ذلك في العام 643 م، ولسفيروس يعزى إدخال الأرقام الهندية إلى بلادنا حيث تعتمدها غالبية الدول العربية، بينما يعزو آخرون أن تسمية الرقم صفر تعود إليه إذ لم يكن موجوداً من قبل في الأرقام الهندية.
في مرحلة لاحقة في العام 665 م أتى”قرطاس” راهب سوري آخر وتلميذ لسفيروس تعلّم على يديه وفي ذات الدير، وقام بإكمال مشروع معلمه فجعل لكل رقم من الأرقام رمزاَ علمياَ خاصاً به، اعتمد فيه على قاعدة رياضية تتعلق بالزوايا فبسطها على غرار ما فعله الآراميون العرب من قبل في تبسيط الكتابة المعقدة، بحيث يسهل تعليمها في مدة قصيرة حتى من قبل الصغار متوسطي الذكاء.
من مدة غير بعيدة انتشر خبر تدعي فيه جهة ما أن كل سبق هو امتياز لعالم أمازيغي من المغرب، بما فيها الأرقام والمخططات والدراسات، رغم الرقم الأثرية التي تثبت الأمر.
ليس بعيداً جداً، – وكان الأمر أحدث ضجة كبيرة- قام مصمم أزياء إسرائيلي باعتماد الكوفية الفلسطينية بلونيها الأساسيين الأسود والأبيض تيمة رئيسية لعرض مجموعة من التصاميم في محاولة صريحة لنسب الرمز لإسرائيل، بينما وفي خطوات لاحقة متتالية طالت يد الإخطبوط العديد من الرموز على بساطتها من أزياء ومأكولات وفولكلوريات؛ في ادعاء صارخ أنه تراث إسرائيلي خالص، وفي مخطط مدروس لتجذير نفسها في أرض ليست أرضها.
في أمثالنا الشعبية يقال أن “المال السّايب يعلّم السرقة والحرام” فكيف والسارقين على مدّ العين، بينما نحن نهمش كنوزنا وآثارنا، بحجة التماشي مع العصر؛ نتمسك بما لا يمت لنا بصلة فتتهاوى هويتنا وتذوب شخصيتنا في الآخرين، تاركين للعالم الذي يتحين الفرص للاستفادة من مواهبنا وإبداعاتنا ينسبها له أمام أعيننا.
بالأمس وفي العرض الذي قدّمه طلاب التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية لفتة جميلة تحتسب للمعهد وطلابه، حين يكون الإصرار على التمسك بالهوية من خلال اعتماد الفلكلور والتراث والكوفية الفلسطينية عنصراً أساسياً في العرض؛ بالرغم من الانفتاح الواضح والطبيعي على الفنون المعاصرة، ولعلها تأتي  خطوات أخرى أوسع تطال مناحي أهم وأوسع، نواجه العالم بما نمتلك؛ إذ يحق لنا التباهي بإبداعاتنا ومواهبنا الخاصة.