ثقافة

عشق ووفاء

بشرى الحكيم

بالرغم من أنه يُعد من كبار رجال الأعمال السوريين المتسلحين بشهادة علمية في الهندسة؛ أهّلته للعمل في عالم المقاولات حيث العديد من الإنجازات لا تزال قائمة تشهد على جهوده، إلا أنه أصّر على أن يثبت أقدامه في عالم آخر شكّل هواه وعشقه الدائم فكان حتى ساعة رحيله سيد؛ لا بل شيخ المنتجين السوريين بلا منازع.
لم يخشَ “نادر أتاسي” على أمواله القادمة من أعماله المتشعبة في معامل السّكر والنسيج والزجاج والنفط، بل زودها بالشجاعة كي تنخرط في خدمة العالم الذي أحبه، فكان البرهان على أن لرأس المال الشجاع القدرة على أن يكون مثمراً ومنتجاً في كل المجالات، وأنه يمكن للسينما أن تكون نوعاً من التجارة الاقتصادية الناجحة.
بذلك استطاع المهندس الناجح في مجاله أن يسطّر اسمه في صفحات السينما والتلفزيون؛ فكان منتجاً وممولاً ومساهماً في مدّ المحافظات السورية بالعديد من الصالات السينمائية؛ بداية من مدينته حمص إلى حلب فاللاذقية إلى دمشق التي كان آخرها تجديده لدرّة الصالات السورية “سينما دمشق” التي افتتحت بفيلم “سيلينا” آخر الأعمال السينمائية التي أنتجها.
وإن كان الحيز الآن لا يتسع لسرد الأعمال التي أنتجها أو موّلها أو رعاها شيخ المنتجين إلا أن إنتاجه لجميع المشاريع الفنية السينمائية الرحبانية المتعلقة بفيروز من بياع الخواتم إلى سفر برلك وبنت الحارس؛ لا بد هو وساماً وإنجازاً يسجَّل له ويذكره محبو هذا الفن على الدوام، بالإضافة إلى تمويله وإنتاجه لمعظم أعمال الفنان دريد لحام السينمائية منها “الحدود، التقرير وكفرون” لا بل إن إسهاماته امتدت لتصل للشراكة في العديد من الأعمال العربية والعالمية ومع مخرجين عرب وعالميين فأسهَمَ في تقديم أعمال هامة مثل “كسارة البندق، سيد الوحوش ودم الآخرين”.
يذكر التاريخ الحديث أنه بعد حرب عالمية طاحنة أتت على الأخضر واليابس لكل المشاركين فيها، اعتمد اليابانيون قاعدة أساسية لبناء الوطن والمواطن؛ بسيطة وقوية في آن معاً، كان أساسها في كشف المواهب، تنمية القدرات، إرادة صلبة وشجاعة لا تلين أمام المصاعب، وتصميم لا يُردّ في مواجهة ما يعتبر “أحلاماً ومعجزات” حتى باتت اليابان من أهم دول عالمنا الحالي وأكثرها تطوراً، ذلك لأنها أنشأت الإنسان القادر على مواجهة الحياة بكل أحوالها؛ ولا بد أن أتاسي كان واحداً ممن أحسنوا إتباع هذه القاعدة.
إن في رحيل أمثاله خسارة كبيرة لرجل وعلَم من أعلام السينما السورية والعربية لا يخفف من وطأتها إلا كون شريط حياته لم يتوقف إلا بعد أن ترك منهلاً يغني ويفيد محبو هذا الفن الجميل، ولا بد أن رجلاً على هذا الوفاء والعشق كشف عنه في سيرته الذاتية “حياتي ثلاثية الأبعاد” بات أكبر من شخصه ليكون سورياً بامتياز يستحق التكريم بما يليق به بعيداً عن كل الجوائز والدروع التكريمية والتكريمات التي نالها.