هل كانت الدراما مرآة لقضايا المجتمع
يقولون: “الدراما هي الحياة” وهناك من يذهب أبعد من ذلك فيقول: هي أبعد من الحياة، لأنها تدمج بين الواقع وتخيلات الكتّاب ورؤى المخرجين، الذين يختزلون كل مايدور في المجتمع بالصورة الدرامية، فكانت أشبه بمرآة تكشف الحقيقة ليجد كل إنسان نفسه في زاوية ما منها. والسؤال المطروح هل شوّهت الدراما الواقع وصورة الرجل في بيئات مختلفة وخاصة البيئة الشامية؟ أم أنها كانت مرآة عكست الواقع بكل إشكالاته وهمومه، لنقف عند آراء متضاربة، بعضها ينفي وجود ما يرى، ويعدّه تشويهاً للواقع والتاريخ، وأخرى تعدّه نوعاً من التسلية وقدرة الكاتب على التخيّل وإسباغ ما يريد على الشخصية، بينما يعترف كثيرون بمصداقيتها وبدورها في تسليط الضوء على هذه الشخوص، لعلها تكون قادرة على تغيير شيء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لاسيما العنف اللفظي والجسدي والمعنوي الذي تتسع دائرته انطلاقاً من الأسرة إلى كل مفاصل الحياة، فجسدته كاميرا المخرجين بصور مختلفة ليرتبط أحياناً بسلوكيات الانحراف والجريمة.
العشوائيات والسلبيات
ورأى المخرجون في العشوائيات مكاناً لتجسيد كل السلبيات والانحرافات، فسلالم الجادات المرتفعة في جبل الأكراد أغرت المخرج أحمد إبراهيم أحمد في مسلسل “زوال” ليدخل بكاميرته إلى أزقتها وبيوتها يرصد معاناتها وحالة الفقر التي تعهانيها، وإلى عتمة سراديب أسرار وأوجاع خفية تبدأ بالضرب المبرح الذي يستخدمه أبو معروف (باسم ياخور)، بالتواصل مع ابنه وزوجته (شكران مرتجى) مع الكلام الجارح والألفاظ النابية، إلى السرقة والانجرار وراء انحرافات تؤدي إلى الجريمة، ليدفع الثمن ابنه معروف الذي يقتل طعناً بأداة حادة وتنهار أمه في المشفى وهو ملقى في براد الموتى.
وفي العمل ذاته نرى بيت الدعارة تديره (نظلي الرواس) التي برعت سابقاً بتجسيد حالات الشر والعنف، والمفارقة أن المعدمين مادياً يأتون إلى هذا المكان، كما في شخصية بائع (الخبز اليابس) الذي يدفع مالديه فيكون الجواب من قبل القوادة “دبري له شي بنت”.
عدوانية الرجل
وطالت الدراما صورة الرجل الدمشقي المعروف بكلامه الجميل وحسن تعامله مع النساء، فنرى أبو صخر (زهير رمضان) في صدر الباز يضرب زوجته وبناته لأتفه الأسباب، مع سلسلة من الشتائم ويقتّر عليهم بالطعام ليجسد صورة الرجل البخيل بماله ومشاعره، والأفظع من ذلك يطالب بحصة زوجته من الإرث ويسبب الضرر لعائلتها التي لاتملك إلا البيت الصغير الذي يؤويهم، لتنتقل صورة مشابهة إلى حدّ ما بشخصية (سمعو) في باب الحارة إمام الجامع، الذي يجب أن يكون قدوة للجميع ويتحلى بأخلاقيات الدين ومفاهيمه الصحيحة، لكنه يجسد صورة الرجل الشحيح المقتر بالرزق البخيل، وفي أحد المشاهد يضرب زوجته حتى يفقدها صوابها فخرجت من المنزل دون حجاب وأثارت الغضب في الحارة، وفي الوقت ذاته يرفض أن يطلقها رغم كل محاولات والدها الزعيم أبو عصام (عباس النوري)، ويهدد بطلبها إلى بيت الطاعة، وفي عطر الشام يهدد رشدي أيضاً زوجته بالزواج مرة ثانية وإعادتها إلى منزل أهلها إذا لم تنجب صبياً مع أنه الحمل الأول، وفي الوقت ذاته يمنعها من مغادرة المنزل إلا برفقته لزيارة أهلها فقط.
صور كثيرة لنوازع الشر والعنف والجريمة والانحلال الأخلاقي والانحرافات المتعددة، فإلى أيّ مدى نجحت الدراما في نقل هذا الواقع ومعالجته؟ وإلى أيّ مدى أخفقت؟.
ملده شويكاني