أيمن زيدان إخراج عكس التيار.. وأعمال لا تنسى
في معرض تقديمه لتجربته التلفزيونية الإخراجية الأولى عام 2000 أوضح الفنان آيمن زيدان: “أقدمتُ على هذه التجربة عندما تحررتُ من احتمال التأثر بالآخرين, فقد عملتُ مع مخرجين كثر، لكني أقدمتُ على ذلك عندما شعرتُ بأنه سيكون لي صوتي الخاص وروايتي الخاصة واقتراحي الخاص”.
أيام لا تنسى
ظل زيدان ومن خلال مسلسله “أيام لا تنسى” مخلصاً لما قاله وأراده منذ تجربته الأولى، فقدم من خلاله وبعيداً عن التجارة وحمّى اللحاق بالموضات الدرامية، شكلاً ومضموناً خاصين بكل هدوء، وبعيداً عن ضجيج بعض المخرجين في تقديم صور الأكشن والإثارة، حيث انسحب زيدان مخرجاً بالدرجة الأولى نحو أحضان الريف السوري ليقصّ حكايته على ألسنة شخوص اعتدنا أن نراهم في أعماله، وهو الذي ينحاز وبشدة للفقراء والمعذبين والمظلومين، يسرد قصصهم ويرافق خطواتهم ودموعهم وقلوبهم وأحلامهم، من خلال ممثلين جسدوا شخصياتهم بمنتهى العمق والهدوء، فكانت نابضة بالحياة عكس العديد من الشخصيات التي نتابعها في بعض الأعمال والتي تبدو وكأنها قادمة من كوكب آخر.
ليل المسافرين
بداية زيدان في الإخراج تنبئ عن رغبته في العودة إلى روائع الأدب العالمي، ومعالجتها معالجة جيدة تنسجم مع البيئة العربية والمنطق العربي، فكانت الشرارة الأولى مسلسل “ليل المسافرين” كتابة قمر الزمان علوش عن قصة “البؤساء” لفيكتور هوغو حيث تمتد أحداث العمل من 1890 إلى 1916، إلا أن التاريخ في هذا المسلسل ليس سوى إطار يضم هذه الأحداث، وليكون هناك مفهومان أساسيان يتمحور حولهما العمل الأول: مفهوم العدالة المشتهاة وهي طموح إنساني أزلي ومعاصر موجود دائماً ومشتهى، ومفهوم القانون والولاء المطلق له, ومن خلال هذين المفهومين نجد أشخاصاً يحتل الحزن والقهر والانكسار مساحة كبيرة في حياتهم، في حين تكون محطات فرحها نادرة من خلال شخصية شاكر الكوراني (أداها عباس النوري) الذي يدخل إلى السجن ظلماً ويُحكَم عليه بالمؤبد على جريمة لم يرتكبها, وتسنح له الفرصة بالهرب والتنكر ليصبح حاكماً, فيسعى لتحقيق العدالة كما يحسها ويفهمها ويسعى ليغرس في عقول الناس مفهوم الخير والعدل.
يقول زيدان عن هذا العمل: “لم أتدخل في جوهر النص، وكان لي بعض التعليقات البصرية على ما كان مكتوباً، كما لم أنفِّذ النص حرفياً، فقد حاولنا أن نعمّق ما هو مكتوب في الصورة ونضيف مشروع كتابة بصرية لا تتعارض مع مسارات النص، وإنما قد تسهم أحيانا في تسليط الضوء أكثر على مجموعة من الجزئيات والتفاصيل”.. من هنا ومن يتابع “أيام لا تنسى” يدرك تماماً أن زيدان ما زال مؤمناً بما قاله من حيث أنه قدم كتابة بصرية أخرى لـ “أيام لا تنسى” وعلى الرغم من صعوبة النجاح في ذلك، إلا أن زيدان لم يقع في مطب الكتابة البصرية لينسى أصل الحكاية، فقدم معادلته بالمعايير المطلوبة والدقيقة.
طيور الشوك
بعد أربع سنوات على إنجاز العمل الأول، أراد زيدان أن يستكمل مشروعه الروائي الدرامي، فعاد للوقوف خلف الكاميرا مستنداً إلى رواية كولن مكلو “طيور الشوك” لتدور أحداث المسلسل -سيناريو قمر الزمان علوش- في بداية القرن الماضي وسط صراعات اجتماعية يتحكم فيها الأقوياء بالضعفاء، ولا يوفرون وسيلة للهيمنة عليهم وإذلالهم في أجواء لن ينتج عنها سوى العنف وقتل الناس، وأولى الضحايا يكون الحب مقابل تصاعد الجشع والأنانية والنزوات الجامحة بعد أن توحشت العواطف والانفعالات، لأن اللجام الذي كان يتحكم بالغريزة ويوازنها بصرامة أفلت من الأيدي.
ملح الحياة
وعلى الرغم من عدم اعتماده على رواية مكتوبة في عمله الإخراجي الثالث إلا أن ما كتبه حسن م يوسف من نص لتجربته الإخراجية الثالثة “ملح الحياة” إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، كان يمتّ بصلات كثيرة لعالم الرواية التي تستهوي زيدان، فقدم رواية تلفزيونية من خلال أحداث تدور في دمشق أواخر أيام الانتداب الفرنسي، مروراً بعهد الاستقلال، وصولاً إلى العام 1958 ويسلط الضوء على مرحلةً خاصة من تاريخ سورية عبر مجموعةٍ من الحكايات التي ترصد انعكاسات الحالة السياسية على الناس بمختلف شرائحهم في ذلك الزمان، ومستوى العلاقات فيما بينهم، وما يميزها من بُعدٍ وطني. ويتطرق مسلسل “ملح الحياة” بشكلٍ رئيسي لقصة وهيب حمدي الأستاذ في ثانوية التجهيز الذي يقتل جندياً فرنسياً خلال مظاهرةٍ مناهضة للاحتلال الفرنسي ويُحكَم عليه بالنفي إلى غويانا الفرنسية ليغيب هناك لسنوات ثم يتمكن من الهرب، وفي طريق عودته إلى دمشق عبر رحلةٍ شاقة وطويلة يمر بانعطافاتٍ درامية حادة. وقد نال العمل جائزة أهم عمل درامي للعام 2011 في مهرجان الغدير الخامس للإعلام الدولي في العراق.
مريم.. ليلى.. دينا
لم ينفصل زيدان في أعماله عن الواقع المعاش رغم اتكائه على روايات مكتوبة، فقدم في معظم أعماله مقارباته لما تعيشه سورية حتى لا يعيش انفصاماً درامياً، كما لم تغِب المرأة في أعمال زيدان عن ساحة الأحداث، بل كانت في معظمها محورها الأساسي، ففي “طيور الشوك” نجد بطلة المسلسل (أدتها سوزان نجم الدين) فتاة ريفية تدعى دام الهنا تقاسي من النزوات الذكورية وتخوض تجربة مروعة مع العذاب والمطاردة تبدأ بمحاولة اغتصابها من قبل آغا المنطقة، وتنتهي بامتلاكها ثروة ضخمة نذرتها كلها للانتقام من أولئك الذين أساؤوا إليها وقهروها، وعندما تحصل على مبتغاها ترتاح.. وفي مسلسل “ليل المسافرين” نجد الفنانة جيانا عيد تجسد شخصية روحية المرأة الصوفية التي يغمر قلبها الحب الذي يساعدها على تحويل الصعاب إلى أشياء جميلة في حياتها, ولا يصدمها الشر بل تحوله إلى نبل إيمانا منها بأن الخير هو ما يجعلها تستحق الحياة, وتتعرض للظلم وتعيش حالة هروب بين الآلام في رحلة بحث عن الأمل.. في حين نجد الفنانة رغد مخلوف تجسد دور البطولة النسائية في “ملح الحياة” من خلال نورا الشخصية الحساسة وهي متزوجة من رجل أكبر منها بعشرين عاماً ذي منصب وموقع اجتماعي مهم تحقق من خلاله حلماً معيناً يُكشَف من خلال المسلسل، وهي سيدة صالونات ومجتمعات تفتح بيتها للفعاليات الاجتماعية والثقافية المهمة.. وكذلك الفنانة سوسن أرشيد التي تجسد شخصية فادية وهي تمثل المرأة الشامية في هذا العمل الذي يتحدث عن دمشق بين 1930 و1950 حيث كان للمرأة حينها رأي مهم، وكانت تعبِّر عن وجهة نظرها بحرية واستقلالية.
أما في “أيام لا تنسى” كتابة فايزة علي عن رواية “ألف شمس مشرقة” للأفغاني خالد الحسيني فيرصد زيدان وعبر الأحداث الممتدة بين عامي 1990 و2016 مصائر مجموعة من النساء هنّ نورا (أدتها روبين عيسى) التي كانت تعمل خادمةً في بيت جلال والتي أحبته بصدق وصدّقته، لكنها دفعت ثمن ذلك الحب، وتجرّعت مرارة العزلة مع ابنتها مريم التي ربتها وحيدةً، وسط خوفها المَرَضي من فقدانها وانعدام ثقتها بالرجال والمحيط، ومخاوف حولتها إلى شخصية عصابية، كبرت قبل أوانها، وأحنى الهم ظهرها.. والعمل يرصد أربع مراحل عمرية لها وصولاً إلى عمر الـ 45 أما مريم والتي جسدت دورها الفنانة حلا رجب فتشّكل حكايتها أحد المحاور الرئيسية لأحداث المسلسل، فهي تتعرّض للظلم لأنها ابنة غير شرعية وتعيش عزلة وتكبر وسط هواجس أمها نورا، وإهمال أبيها الذي لا يتجرأ على الاعتراف بها، وبعد أن يتجاوز عمرها العشرين تسعى مريم إلى تغيير قدرها، لكنّ هذا السعي يقودها إلى مصيرٍ أكثر إيلاماً على يد زوجة أبيها ملك التي تجسدها الفنانة سوزان نجم الدين وهي المرأة المتجبّرة القاسية التي تستولي على كل ما يملكه زوجها، وتستغل نزوته مع خادمة العائلة وترفض مسامحته عليها، مبقية إيّاه تحت سيطرتها، في الوقت الذي يسلط المسلسل الضوء على مصائر دينا (أدتها الفنانة ديمة قندلفت) وهي الصحفية المتحررة في أفكارها والمقبلة على الحياة، حيث تعيش قصة حب تمر عبرها بتطورات تدفعها لمراجعة خياراتها والتحلي بقدر أكبر من الواقعية قبل أن يخفق قلبها مجدداً لحب شجاع، الذي يجسد دوره الفنان محمد قنوع، بالتوازي مع تغير مسار حياتها تحت تأثير أحداث تمر بها مع أبيها المتقاعد، بالمقابل نتابع مصير صديقتها ليلى (أدتها رنا كرم) طالبة الطب التي تنقلب حياتها رأساً على عقب نتيجة ما يحدث في سورية من أحداث.
أمينة عباس