ثقافة

الدراما ومطب الواقع

جلال نديم صالح

هل يستطيع أي فن مهما كان أن يعبر عن تفاصيل الواقع بكل ما فيه؟ اخترت هذا السؤال كبداية للدخول إلى قضية الدراما التلفزيونية كأحد الفنون التي باتت نظرة الغالبية العظمى إليه، على أن مهمته التعبير عن الواقع المعاش بأدق تفاصيله.
هذه النظرة أصبحت سائدة إلى حد كبير ونحن نمعن أكثر فأكثر في تبنيها وتعميقها في كل موسم درامي، من خلال الكتابات النقدية التي نتابعها، وكأننا نريد تحقيق التطابق بين ما نعيشه وما تقدمه الدراما، وببساطة يكفي أن يقدم في أي عمل موضوع يخالف الواقع من وجهة نظرنا لنتهم العمل بالشذوذ والابتعاد عن  هموم الناس، لكن عندما نطلب من الدراما أن تكون المعبّر عن الواقع ألا يحمل ذلك في طياته شيئاً من الظلم لها، ويقيدها بالمكان وربما بالزمان ليصبح كل شيء آخر غريباً عنها؟ وما دمنا نعيش الواقع فما جدوى أن نعايشه مجدداً في الدراما بتفاصيله ذاتها، إن لم يضاف إليه جانب جمالي إبداعي من وجهة نظر صنّاع العمل؟.
والسؤال الذي يحضر: لماذا لا نحمل هذا الأمر للرواية أو القصة أو القصيدة التي يحلّق فيها مبدعها بخياله حراً من أي قيود، متجاوزاً الماضي والحاضر، راسماً الصورة التي  يريدها ونحن نصفق إعجاباً بها. أيضاً لماذا نمرر في المسرح على سبيل المثال فكرة أو مشهد قد يكون خيالياً من ناحية الفكرة أو الأداء والحال كذلك في السينما؟ كيف نقبل ونبرر لأنفسنا ضرورة الخط الدرامي لأي عمل، عندما نشاهد البطل يعود إلى الحياة بطريقة قد تخالف العقل والمنطق، أو عندما تنتقم روح البطل من الأشرار أو عندما نرى أحد الفنانين قد رسم حصاناً بأجنحة حتى على مستوى الدراما، ألم نرى في فترة من الفترات من تاريخها ما يسمى بالفانتازيا التاريخية والتي قُدمت فيها أشياء خيالية إلى حد ما، هل يمكننا تجاهل الشعبية التي حظيت بها؟ ترى كيف نبرر ذلك في مكان ونرفضه في مكان آخر؟.
بالتأكيد جواب البعض سيكون  أن لكل فن خصوصيته، وقد يكون في ذلك وجه حق إلى حد ما، لكن بنفس الوقت تلك الخصوصية والحدود كثيراً ما تذوب عند الحديث عن الفن، والدليل أننا أصبحنا ببساطة نعتمد التقنيات السينمائية في العمل الدرامي، ونستعين بالرواية لتكون نصاً درامياً تلفزيونياً، طبعاً بهذا لا ننكر خصوصية كل فن بل التأكيد على أن هناك جوانب مشتركة لا نستطيع إلغاءها.
ومن وجهة نظري أن ما ينسحب على الفنون الأخرى ينسحب على الدراما التلفزيونية إلى حد ما، وإن كانت لها خصوصية أنها تدخل إلى كل البيوت، وقريبة من الناس وهذا الكلام ليس دعوة وتبرير لابتعاد الدراما عن المجتمع وقضاياه، بل هي دعوة لعدم تضييق الخناق عليها كفن يقوم على الواقع والخيال الهادف، بعيداً عن تقييده في زاوية التعبير عن الواقع فقط، ونسيان جوانب أخرى وهو ما نلتفت إليه في أغلب مقالاتنا.