ثقافة

شخصية رجل الشرطة في الدراما السورية: تشويه مؤسسات الدولة أم انتقادها

من تابع موسم الدراما 2016 شاهد كيف تم إدانة رجال الدولة في أغلب الأعمال التي عرضت على مختلف المحطات الفضائية, وكأن هناك اتفاق مسبق على استهداف الشرطي ورجل الأمن والموظف، ووضعه في قفص الاتهام أو إظهاره بشكل مسيء باستثناء أعمال قليلة استطاعت تقديم أعمال متوازنة.

حتى الأعمال التي تنسب للبيئة الشامية أدانت رجل الشرطة “باب الحارة” سيناريو سليمان عبد العزيز وإخراج ناجي طعمة عاد إلينا الفنان زهير رمضان بشخصية “أبو جودت” رئيس المخفر المستَغِل الباحث دوما عن الرشوة والحريص على تصنيع الأزمات التي تحقق له المزيد من المال, أيضا شخصية مساعده “مزين” الممثل مصطفى المصطفى الذي حلّ ضيفاً جديداً على حارة الضبع ليكرّس شخصية الشرطي الهزلي المغفل الذي يسيره نمس الحارة وتنكتها, ولا نجده إلا باحثاً عن الكباب ليقدم للمشاهد شخصية مسيئة لرجل الشرطة, في المقابل حرص سيناريو باب الحارة في أجزائه الثمانية على تقديم الضابط الفرنسي المتزن والجندي المنضبط!.
يعود الشاب مصطفى المصطفى للمشاهد في مسلسل “أحمر” بشخصية “صالح” سيناريو علي وجيه ويامن الحجلي, توقيع جود سعيد بشخصية لا تختلف من حيث المضمون الهزلي والأفعال التهريجية، لكن من غير زي الشرطة، بل بصفة أمنية يشاركه على طول ساعات العرض مازن عباس ليقدما أسوأ صورة عن العناصر الأمنية, شخصيات مغفّلة تقترب من التخلف العقلي والسماجة أكثر من كونها فكاهية, يشاركهما في هذه الجريمة الدرامية يامن الحجلي شخصية “عاصي” ضابط أمن موتور مستغِل مرتشٍ فاسد, حتى تحوّل الفرع الافتراضي بسبب مشاهد التهريج المتكررة بين العناصر والضابطين حليم وعاصي إلى مشفى للأمراض العقلية, غير مفردة “جحش” التي كانت تتلذذ بتردديها الفنانة صفاء سلطان حين مغازلتها للنقيب عاصي والتي دخلت على الدراما كنوع جديد من الغزل.
ولا يغيب عن بالنا رجال مخفر “زوال” الفنان سعد مينة الضابط الفاسد والدكتور  تامر العربيد الذي ظهر بلحيته كضابط شرطة خليجي, وشاهدنا كيف سيطر عليهم زعران الحارة, وقدرة “أبو حوا” الفنان فادي صبيح في اعتقال أي فرد أو إطلاق سراحه، من غير أن يكون لضباط ورجال أمن زوال أي إرادة, حتى أنه يتمكن من إخفاء جرائم القتل والسلب بنظرة من عينيه الملونة التي أرعبت رجال الشرطة, ولعل المشهد الأسوأ كان المشهد الذي رفض فيه الضابط سعد مينه خروج أحد المتهمين بحجة أنه أهانه وبصق عليه، فجاوبه أبو حوا “دية البزقة معروفة” من غير أن ينتبه كاتب السيناريو أنها إهانة  للزي والرتبة والصفة التي تجسدها الشخصية التي مارست أنواع الموبقات طوال ساعات العرض.
مسلسل “الندم” أيضا قدم رؤيته لرجل الشرطة والأمن بشكل سلبي مغيّباً رجل الدولة الشريف عن الصورة، متغافلاً عن أفعال العصابات الإرهابية طيلة فترة الحرب, وجعل الضباط يأتمرون بأمر تجار اللحوم, ولوحات بقعة ضوء التي ظهر فيها رجل الشرطة لم تكن بريئة، ولم تقدمهم إلا شصيات غبية وهزلية تشبه ما شاهدناه سابقا في أعمال درامية أخرى.
البعض اعتبر أن ما قدمته الدراما هو تسليط الضوء على الجوانب السلبية من غير أن يدركوا أن تكريس صورة العنصر المسيء في عيون المشاهد تحوّله إلى عدو للمجتمع, إضافة إلى أن هذه الأعمال تعرض على مستوى الوطن العربي لتصدّر الصورة القبيحة فقط, وكأننا نعيش في مجتمع “حاميها حراميها” أو حارة “كل مين أيدو ألو” وهو أمر بعيد عن المنطق والواقع السوري, غير أن رجال الدولة هم من الأسر التي تنتمي للمجتمع السوري وليست مستوردة أو مرتزقة كما هو الحال في بعض الدول العربية والغربية.
إن تسليط الضوء على فساد ما, حق للدراما وواجب عليها, ولو كانت الصورة مشابهة لما شاهدناه في أعمال سابقة كانت مقبولة “بساطة أبو كلبشة ضمن مجتمع بسيط” لكن ظهور العنصر الأمني المغفّل في مجتمع يتمتع بالدهاء يظهر التباين والصورة الفجة, إضافة لافتقاد الأعمال للعنصر الشريف الذي لا يشارك في الفساد أو ينصاع لزعران الحارات وزعاماتها المختلقة. وهنا لا بد من التنويه إلى خطر المحاكاة وتأثير الدراما على المتلقي من خلال توحده معها عاطفياً, أو تعزيز رغباته بالانتقام أو الحب أو المغامرة من خلال تأثره بشخصية البطل وتضحياته حتى يحقق انتصاراته أو أحلامه.
غير أن اعتبار رجل الدولة مغفلاً, ساذجاً, فاسداً في أغلب الأعمال يطرح الكثير من التساؤلات, أهمها لماذا تصر الدراما السورية على تشويه النموذج خلافاً لما نشاهده في باقي أنواع الدراما والأفلام العربية والغربية, لماذا يتم تقديس رجل البوليس في دراماهم وإظهاره بمنظر السوبرمان والرجل الخارق, وتبرر أفعاله حتى السيئة منها والعدوانية, كالأفلام التي صنعت خصيصاً للدفاع عن العدوان الأمريكي على فيتنام والعراق, ألم نشاهد كيف يبررون عدوانهم والحروب التي يقومون بها على أنها صراع حتمي, بينما ونحن في موقع الدفاع عن أنفسنا ندين الشخصية السورية ونجلدها. أخيرا أذكّر بالجملة التي جاءت على لسان العقيد كيرتز في فيلم “القيامة الآن”  حين طلب من الكابتن ويلارد الذهاب إلى منزله “اذهب إلى منزلي, أخبر ابني عن حقيقة ما حدث, لا تجعلهم ينشرون أكاذيبهم”.
لؤي ماجد سلمان