ثقافة

“العربية..مختارات من أسرارها وأخبارها” جمالية اللغة العربية وتاريخها

انطلق بيان الصفدي في مقدمة كتابه الجديد “العربية مختارات من أسرارها وأخبارها” من مقولة الإمام (أبو حنيفة):”المكثُر من النحو كالمكثر في غرس شجر لاثمر فيه” فتناول قضايا اللغة العربية التي ظلت تتطور دون أن يتغير نظامها، وامتلكت القدرة على استيعاب العلوم والفنون والأساليب والتطورات في العصر الحالي.

كما تطرق المؤلف إلى مسألة تقعيد اللغة العربية التي تدخل اللغة في دائرة الأخطاء الشائعة، وتعرض لتفاقم المشكلة اللغوية التي توسعت منذ البحث اللغوي والنحوي وغرقت في أمور ليست من روح العربية، فعاد المؤلف إلى تاريخ اللغة وإلى كتب التراث والمراجع التي تدعى أمات الكتب، لينتقي عدداً من أساليب العربية، ويتوقف عند بعض المسائل النحوية أو الصرفية التي أثارت إشكاليات لغوية، ويفرد مساحة لتراجم اللغويين، وقد تضمن الكتاب بين دفتيه أيضاً الكثير من الشواهد المأخوذة من القرآن الكريم والحديث الشريف، والكثير من الطرائف اللغوية والأحداث المضحكة التي تناقلها اللغويون والنحويون. والأمر اللافت هو المفردات الغريبة المشتقة والبعيدة عن التداول في عصرنا، فتميّز الكتاب بجماليات لغوية أضفت عليها أشعار العرب التي دوّنها المؤلف كشواهد شعرية سحر الجرس الموسيقي وأوزان بحور العروض واللياقة اللفظية والمعنى الخفي للمفردة.
ومن الملاحظ أن المؤلف بذل جهداً كبيراً في الإلمام بكل هذه الجوانب وعرضها بأسلوب شائق يشدّ القراء، لاسيما المتخصصون بدراسة الأدب العربي، فيدرك القارئ مباشرة أن فصول الكتاب كانت إجابة للمسائل التي تطرق إليها المؤلف في المقدمة.
ويعدّ فصل الألفاظ الجاهلية المهجورة –من الحيوان- من أجمل فصول الكتاب لأنه وثيقة لغوية عن العصر الجاهلي الأكثر جزالة بالألفاظ، فأفرد مساحة لبعض المفردات التي كانت مستعملة في العصر الجاهلي مثل تسميتهم الخَراج إتاوةً، وقولهم للرشوة ولما يأخذه السلطان “الحُملان والمكْس” ووثّق المفردات في شاهد شعري: كما قال جابر ابن حُنَيّ:
أفي كلّ أسواق العراق إتاوةُ
وفي كلّ ماباع امرؤُ مكْسُ درهم
وفي فصل “معجم الأدباء”-ياقوت الحموي –أورد لمحة عن حياة علي بن حمزة الكسائي، “وهو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان من ولد بهمن بن فيروز مولى بني أسد النحوي، أحد الأئمة في القراءة والنحو واللغة وأحد السبعة القراء المشهورين، وهو من أهل الكوفة استوطن بغداد وروى الحديث وصنف الكتب “.
ومن الفصول الممتعة فصل “الكتاب سيبويه –هذا باب ما يحتمل الشعر” إذ أورد فيه المؤلف مجموعة شواهد شعرية فيها مفردات خرجت عن القواعد على مبدأ يجوز في الشعر مالا يجوز في الكلام من صرف مالا ينصرف، إذ مدّ الشعراء بعض المفردات مثل مساجد ومنابر، فيقولون مساجيد ومنابيروشبهوها بما جمع على غير واحدة في الكلام، كما قال الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
نفي الدنانير تنقاد الصياريف
ألفاظ واشتقاقات
ومن المسائل اللغوية التي مازال حتى الآن يخطئ بها كثيرون ما جاء في فصل “نقصان الألف وإسقاطها” –من أدب الكتّاب، الصولي- فألف الوصل لا يجوز إسقاطها من الخط إلا في ثلاثة مواضع: من ” بسم الله الرحمن الرحيم، وتسقط من ابن إذا جاء بعد اسم ظاهر مثل “مررت بزيد بن محمد” والموضع الثالث ألف الوصل مع لام كقولك “الرجل” فتسقط في للرجل أو للثوب. وفي الفصل ذاته أورد مسألة زيادة الألف بعد واو الجماعة مثل آمنوا، وفعلوا ذلك ليفرقوا بين واو الأصل وواو الجمع.
حفل الكتاب بمجموعة ألفاظ غريبة تم اشتقاقها كما في فصل “الاشتقاق” –ابن دريد- مما اشتق من أسماء الشجر فعلى سبيل المثال، “سبطةُ وهي شجر دقاق الورق نحو الأثل والأطراف، و”عشرقة” شجر معروف وهو اسم من أسماء النساء، و”غيطلة” وهو اسم امرأة وهو الشجر الملتف، و”سخبرة” أي ضرب من النبت يشبه الإذخر. كما تطرق المؤلف إلى تعريف البلاغة في فصل “بهجة المجالس”- ابن عبد البر القرطبي- في باب اختلاف عبارتهم عن البلاغة، قال المفضّل الضبيّ لأعرابي: ما البلاغة؟ قال الإيجاز في غير عجز، والإطناب في غير خطل، وقيل للأحنف: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز في استحكام الحجج، والوقوف عند ما يُكتفى به”.

ملده شويكاني