ثقافة

هل يخرج الفنان من اللعبة الدرامية بالتقادم

جلال نديم صالح

ترى لو اخترنا أحد الفنانين الشباب بعد أن استعنا بالماكياج وكافة الوسائل التقنية المتطورة، لأداء الدور الذي قدّمه الفنان أنطوني كوين بعد أن تقدّم  في السن في “عمر المختار” أو “العجوز والبحر” هل كان سيحقق ما حققه كوين؟ وهل كان لأي فنانة سورية شابة أن تنجح بدور الأم كما فعلت الراحلة نبيلة النابلسي أو منى واصف أو أنطوانيت نجيب على سبيل المثال. الإجابة ستكون غالباً لا.
مادفعني للخوض في هذا العنوان بعض الكتابات التي قرأتها والتي تتحدث عن طبيعة الأعمال الدرامية السورية التي أصبحت رائجة، وهي شيئا فشيئا تخرج الفنانات اللواتي تجاوزن مرحلة عمرية معينة خارج الساحة الدرامية لحساب الفنانات الشابات، من مبدأ أن مايكتب يركز على الشريحة الشابة.
ربما كان السبب الذي أوحى للبعض بهذا الواقع الحضور الذي حققه العديد من الفنانين الشباب، ذكوراً وإناثاً على حد سواء في المشهد الدرامي في السنوات الأخيرة، وهذا لم يكن موجوداً سابقا وإن وجد فلم يكن بهذا الزخم وهذا ما وجّه الضوء إليهم بكل بساطة، ولا يمكن لأي منّا أن ينكر حق هؤلاء الشباب في أن يقدموا تجربتهم، والحكم النهائي بالتأكيد سيكون للجمهور الذي سيفرز بشكل طبيعي الغث من السمين لتثبت التجربة التي  تستحق وتخبو أخرى، أو تحقق حضوراً بدرجة أقل، وهذا ما يميز فنان عن آخر.
بالعودة إلى العنوان الأساسي بالتأكيد أغلبنا سيشعر بالغبن لدى مشاهدته ممثلة شابة تؤدي دور امرأة طاعنة في السن، والتي مهما أتقنت الدور لن تفعل كما تفعل الفنانة التي تعيش العمر الحقيقي أو التقريبي للشخصية الدرامية التي تؤديها، وهنا لا نتحدث عن الشكل فقط، والذي قد يكون مهماً لأن هناك ما هو أهم، ولأننا باختصار لانستطيع أن نختصر تجربة أي من الفنانين المخضرمين بالشكل فقط، فالتجربة  التي تراكمت لدى هؤلاء، والتي ربما شكّل فيها أي عمل قدمه الفنان لبنة جديدة أضيفت لتجربته ووعيه ونضجه مهما كانت بسيطة، إلا أنها من المؤكد تركت فيه أثراً ما، فالفنان المبدع يضيف دوماً إلى أدواته ويبقى التعلم مرافقا لمشواره، لأنه متى توقف عن ذلك سيكرر نفسه ويقف عند حد معين لايستطيع تجاوزه، وهو في هذه الحال لن يقدم إضافة جديدة، وربما هذا ما أدركة كثر من فنانينا المخضرمين الذين أصبحت تجربة بعضهم تمثل مدرسة فنية سواء على مستوى الدراما التلفزيونية أو المسرح أو السينما.
وبما أن حديثنا الأساسي عن عالم  الدراما الذي يشكل مجالاً مفتوحاً، وبما أن ما ينسج فيها من حكايا قد تحاكي مايعيشه المجتمع إلى حد ما، فإن هذا الفضاء يتسع للجميع على حد سواء للشباب والمخضرمين، ومن كافة الشرائح لأننا نقدم عالماً متكاملاً وإغفال أي من جوانبه سيقدم صورة مشوهة، ولا يمكن بالتأكيد لأي من الجيلين أن يأخذ مكان الآخر والدليل الأبرز على ذلك العمالقة الذين استمروا في تألقهم وتميزهم وعطائهم الفني، والذين ظلوا رافعة للفن بكل مجالاته إلى أن رحلوا عن عالمنا، وبقوا في ذاكرتنا كتجارب مهمة تذكر في كل حين.