على هامش ورشة إعداد الممثل لكي لانتعدى على المهنة
بهدف استيعاب طاقات الشباب الفنية والإبداعية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي ألقت بظلالها على الأحلام والطموحات، ورغبةً منها في انتهاز فرصة الصيف للقيام بما هو مفيد وممتع لهم، عمدت مديرية المسارح والموسيقا إلى إقامة ورشة إعداد ممثل، خاصة وأن العديد من الموهوبين غير الأكاديميين لا تتاح لهم فرصة الوقوف أمام الكاميرا.
الفرصة للموهوبين
يشير الفنان عروة العربي صاحب فكرة الورشة والمشرف عليها إلى تجاوب مديرية المسارح والموسيقا معه وتبنّيها للمشروع، وكانت سعادته مضاعفة لهذا التبنّي كسعادة المشتركين، باعتبار أن مديريّة المسارح هي الجهة الرّسمية الأهم المعنيّة بالمسرح، مبيّناً أن الورشة ستتوَّج بصيغ فنيّة معينة بإشرافه وإشراف الفنّانين مصطفى المصطفى وجمال تركماني والدراماتورغ براءة زريق، موضّحاً أنّه حاول قدر الإمكان الاستفادة من خبرته المتواضعة كخرّيج وأستاذ مساعد لمجموعة من الدكاترة، وكمخرج لديه رصيد لا بأس به من الأعمال المسرحية، محاولاً أن يقدم خلاصة هذه التجارب لمجموعة من المشتركين، منوهاً إلى أن الورشة بدأت بـ 65 طالباً وكان الهدف الخروج بنواة ممثل غير متعدٍّ على مهنة التمثيل.
لا يعلّم التمثيل
يؤكد العربي أن الورشة استهدفت غير الأكاديميين الذين يتمتعون بموهبة التمثيل بهدف صقل موهبتهم، وتهيئتهم للوقوف أمام الكاميرا وتشكيل فكرة لديهم عن فن التمثيل، وكان هذا هو الهدف الأول منها، أما الهدف الثاني فهو إعطاء الفرصة لمن يتمتع بموهبة التمثيل ولم يُقبَل في المعهد العالي للفنون المسرحية، خاصةً وأن المعهد يقبل عدداً محدوداً جداً من الطلاب باختبارات قد لا تشير دوماً وبدقة إلى أصحاب المواهب الحقيقية، ومن يستحق الدخول فعلاً إلى المعهد لأن تجارب عديدة وعلى مدى سنوات عمر المعهد، كشفت لنا أن كثيرين تم قبولهم في المعهد ولم يكونوا موهوبين، وآخرون لم يُقبَلوا وكانوا يتمتعون بموهبة حقيقية، مشيراً كذلك العربي إلى أن التجربة علّمته أن هناك عاشقين حقيقيين للمسرح خارج المعهد أكثر ممن في داخله، والذين في غالبيتهم يقصدونه ليكون جسراً باتجاه التلفزيون، أمّا الهدف الثالث من هذه الورشة برأيه فيصبّ في ضرورة دعم الشباب وتحفيزهم في هذه الظروف الصعبة التي نعاني منها جميعاً، والشباب بشكل خاص، فكان من الواجب احتضانهم بشكل أو بآخر، موضحاً أنه في هذه الورشة لا يعلّم التمثيل بل كيف يكون التمثيل، وذلك لوضع المشاركين على الطريق الصحيح، بعيداً عما نراه من أداء مشوَّه ترسّخ نتيجة بعض الأعمال الدراميّة التي طفت على السطح نتيجة تدهور الدراما السورية، ومنطق المبالغة في الأداء الذي أصبح السمة الأبرز في أداء الكثير من الممثلين. من هنا تأتي الورشة لإعادة الاعتبار لأساسيّات المهنة من خلال معلومات مكثّفة شبيهة بما يأخذه طلاب المعهد المسرحي عادةً خلال السنوات الأربع.
مواهب
أما الدراماتورغ فهو الباحث عن المعنى في النص، وعمله يبدأ من مرحلة انتقاء النص مروراً بجميع المراحل التي يمر بها المخرج وحتى إنزال الستارة على العرض.. وفي الورشة تشير براءة زريق أحد المشرفين عليها إلى أنها انطلقت في عملها كدراماتورغ لبناء نصها من حكايات المشاركين الشخصية، لتكون مرتكزاً لبناء شخصيات فنية، مع محاولة إيجاد معادل لها في النصوص المسرحية المعروفة، مع إشارتها إلى التشابه الكبير الذي يمكن أن يوجد بين شخصيات المشاركين وبعض الشخصيات المسرحية، مؤكدة أن سعادتها كانت كبيرة وهي تتلمس من المشاركين الفهم الحقيقي لطبيعة العمل في بناء الشخصيات، خاصة عندما يجد أحد المشاركين نفسه في شخصية من الشخصيات المسرحية التي قرأ عنها، مبينة زريق أن الدراماتورغ من الضروري أن يطلع على كمٍّ كبير من المسرحيات، فدون القراءات الكثيرة لن يستطيع كما في وضعها اليوم أن يستحضر شخصيات مسرحية يتم البناء عليها، أما مهمتها الأخرى في الورشة فتتلخص في الاتفاق مع العربي على الشكل الفني الذي سيُقدّم به المشاركون شخصياتهم، كي لا تتحول هذه المشاركات إلى مونولوجات فردية لا رابط بينها.
وختمت زريق كلامها بأن الورشة محطة شديدة الأهمية بالنسبة للمشاركين لأن التمثيل بالنسبة لمن تبقّى منهم فيها ليس حدثاً عابراً ولا طارئاً، والدليل وجود مواهب سيكون لها شأن كبير في المستقبل.
تعبير الجسد
يثني الفنان جمال تركماني أستاذ الليونة في الورشة على هذه المبادرة وأية مبادرة تساعد على النهوض بالحركة المسرحية خصوصاً والفنية عموماً، فاستقطاب مجموعة من الشباب بمختلف الثقافات في هذا الوقت أمر غاية في الأهمية برأيه، مشيراً إلى قول الكاتب المسرحي سعد الله ونوس “إن الابتعاد عن المسرح وهو بأمس الحاجة للطاقات جحود وخيانة لا تحتملهم الروح” موضحاً تركماني أن مهمته في الورشة هي العمل على أجساد المشاركين من خلال تعريفهم بأجسادهم ليكونوا قادرين على التعبير بواسطتها بداخلهم، وبالتالي الاشتغال معهم على الحركة المسرحية واللياقة البدنية ومفهوم الجسد بشكل عام، معترفاً بأن فترة شهر ونصف غير كافية لهؤلاء، إلا أن المشرفين -وهو منهم- يحاولون تقديم فكرة موجزة عن فن التمثيل ووضع أقدام المتدربين على الطريق الصحيح، والجميل برأيه أن الحب والشغف لهذا الفن هما اللذان قاداهم إلى الورشة.
التمثيل ليس سهلاً
لم تثنِه دراسته للكيمياء عن الانجرار وراء حبه للتمثيل، ولم يحبطه عدد المرات التي تقدم بها إلى المعهد العالي للفنون المسرحية ولم يُقبَل، وأشار جمال زغير إلى تجارب مسرحية عدة خاضها والعديد من الورشات التي شارك فيها، لأن التمثيل حلم حياته، والمسرح عشقه الأبديّ.. وعن الورشة يقول: أضافت لي المشاركة في هذه الورشة أشياء كثيرة، وما تعلمتُه فيها من أساسيات فن التمثيل كان وفق مدرسة ستانسلافسكي، كما بدا سعيداً بإخلاص المشرفين على الورشة الذين لم يقصروا بأية معلومة يمكن أن تفيد المشاركين، والتركيز على أن التمثيل يحتاج إلى جهد كبير، وهذا ما يحاول زغير بذله سواء في العروض التي يشارك فيها أو في هذه الورشة لأنه لا يريد لاسمه أن يمر مرور الكرام، ويخبرنا بأنه قبل هذه الورشة كان جسده غير طيّع، ولديه ضمور في الخيال الذي هو أحد أهم ركائز التمثيل، أما اليوم والورشة في أسابيعها الأخيرة فقد تغيرت الأمور عنده بشكل كبير، فأصبح قادراً على استخدام وتفعيل كل أدواته بالشكل المطلق للتعبير عن أية حالة.
التمثيل بشكل محترف
أما لوتس مسعود 21 سنة، سنة رابعة إعلام فتبيّن أن وجودها في الورشة سببه حبّها الكبير للتمثيل، وهي التي بالإضافة إلى دراستها الجامعية كانت قد أخرجت نحو خمسة أفلام قصيرة مثلّت في معظمها، مشيرةً إلى أنها أرادت من خلال وجودها في هذه الورشة أن تتعلّم التمثيل بشكل محترف، لأنها ترفض الغوص في هذا العالم دون أن تكون متمكّنة من أدواتها بشكل حقيقي.. من هنا ولأنها ترفض الاعتداء على هذه المهنة التي تحبّها وتعرف صعوبتها، كان إصرارها على دراسة مبادئها وأساسيّاتها، منوهة كذلك إلى الدور الكبير الذي لعبته الورشة في عودتها إلى القراءة وذلك بفضل تحريض المشرفين عليها، فمن خلال القراءة يتشكل المخزون الذي ستستقي منه مستقبلاً ما ستقدمه.. تقول لوتس: إصراري أنا وغيري على إتباع مثل هذه الدورة، تأكيد على احترامنا لهذه المهنة وقناعتنا أنها ليست مشاعاً للجميع وهي تحتاج إلى منهمك بها.
قبل وبعد
ومع أنه يمثل منذ 4 سنوات إلا أن يامن شقير انضم إلى الورشة لأنه يثق بثقافة المشرفين عليها، وفي مقدمتهم الفنان عروة العربي الذي كان طيلة أسابيع الورشة يؤكد على أسس مهنة التمثيل في ظل استسهال الكثيرين لها، شاكراً العربي الذي حاول أن يختزل مناهج أكاديمية، بالإضافة إلى ثقافته وخبرته وتجاربه ودراسته ليقدمها للمشاركين وذلك بمنتهى الجدية والصرامة، والدليل أن جميع المشاركين أصبحوا مختلفين عما كانوا عليه في بداية الورشة، التي طورت وأظهرت بشكل صحيح مواهب كانت دفينة من خلال طرق اعتمدها العربي ليتعرف كل واحد منهم على أدواته والطريقة المثلى لاستخدامها ليصبح قادراً على مواجهة الكاميرا في أي وقت، ويؤكد شقير الذي خاض عدة تجارب درامية أنه اليوم ومن خلال هذه الورشة يمكنه القول أنه أصبح ممثلاً بعد أن امتلك أدواته وتغيرت آلية تفكيره في التمثيل.
عملية نحت
ويعترف يزن زيود (طالب فلسفة وموظف) أنه تقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية عدة مرات ولم يُقبَل، كما أن هذه الورشة ليست الأولى التي يشارك فيها، مبيناً أن أكثر ما لفت انتباهه في الإعلان عنها قول الفنان عروة العربي “شرط القبول في الورشة حبّ المسرح” مؤكداً زيود أن التمثيل من أصعب المهن في العالم، وبالتالي لا يبرع فيه كثيرون، خاصة وأن البناء الداخلي لأية شخصية من الشخصيات التي يؤديها الممثل هي عملية نحت يجب أن يقوم بها، منوهاً إلى أنه انضم إلى الورشة رغم صعوبة ظروفه وهو الموظف الذي يدرس في الوقت ذاته إلا أن كل ذلك لم يمنعه من انتهاز هذه الفرصة لصقل موهبته وتطويرها، وهو سعيد لأن ذلك يتحقق بفضل إخلاص المشرفين على الورشة وفي مقدمتهم عروة العربي الذي يحاول تقديم كل ما يمكن تقديمه ليستفيد جميع المشاركين.. ويختم زيود كلامه مؤكداً على أن مشاركته في الورشة ليست نزوة وإلا ما كان تقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية نحو خمس مرات، ومن المؤسف برأيه أن التمثيل تحول للتجارة وقد باتت قنوات كثيرة تسوّق لممثلين غير موهوبين، مطالباً المخرجين بإجراء اختبارات حقيقية لأن الدراما السورية تحتاج دوماً إلى دماء جديدة.
يُذكَر أن مديرية المسارح بصدد إقامة ورشتين جديدتين خلال الأيام القادمة: الأولى إعداد ممثل للأطفال والثانية مسرح عرائس.
أمينة عباس