ثقافة

رسالة حضارية

أكسم طلاع

بعد سنوات الحرب  يعود الفن الإيراني ليحضر في العروض التشكيلية السورية وقد شهد  الجمهور السوري في ثمانينات القرن الماضي أكثر من معرض لأساتذة في فنون الخط والمنمنمات والزخرفة، كما شهد خط التعليق الذي يسمى بالخط الفارسي عندنا تطورا ملحوظا عند مزاولي فن الخط وصناعة اللوحة الخطية، والفضل يعود لهذا التواصل الفني والثقافي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد لعبت المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق دورا هاما من خلال إقامة العديد من الدورات التعليمية والمعارض، ويتذكر الخطاطون السوريون الأستاذ الراحل محمد عدنان السنقنقي أستاذ خط التعليق في المستشارية الذي درب عددا لا بأس به من الطلبة ومحبي الخط، حتى أن الخط الفارسي الدمشقي الذي ينسب لخطاط بلاد الشام بدوي الديراني قد أضحى يتصف بأسلوب جديد فيه من الجلاء وأسلوب المدرسة الإيرانية، وكان لزيارة الفنان جليل رسولي وإقامته معرضا لأعماله في دمشق الأثر الكبير في فتح شهية الفنان السوري نحو التأثر ومتابعة فنون تلك البلاد، التي أوفدت بعد سنوات الأستاذ عباس أخوين والأستاذ ميرخاني وعرضت أعمال الأول في صالة الشعب وبعد سنوات أقيم معرض أعمال ميرخاني في المتحف الوطني، ولوفرة المراجع والكراريس والكتب المتخصصة بهذا الفن، وسهولة الحصول عليه جعل من الأمر أكثر شغفا عند محبي ومزاولي هذا الفن الرفيع من الفنون في بلادنا.

واليوم، يحضر الأخوة الإيرانيون بفنونهم الجميلة وتحضر كوكبة من المبدعين الإيرانيين بمعرضهم الذي أقيم في صالة الشعب هذا الأسبوع حيث شارك الفنان علي تن بالأعمال الحروفية والفنان محمد علي رجبي بأعمال الميناتور وصاحب الأبحاث والمؤلفات في رسم المنمنمات ومن مؤلفاته “صراط السطور– مداد الخطوط” وحضر رسام الكاريكاتير أحمد رضا بيضائي والفنان رضا شعباني والخطاط حسين شيركود الذي أبدع في خط النستعليق وقدم أكثر من سبعين معرضا في إيران، وقد أقيم المعرض بالتعاون بين المستشارية الثقافية الإيرانية ووزارة الثقافة وإتحاد الفنانين التشكيليين الذي استضاف الفنانين في ندوة تعريفية مشتركة تحدث فيها الخطاط والباحث أحمد المفتي والفنان محمد غنوم، ومن الجانب الإيراني تحدث الفنانون محمد علي رجبي وعلي تن عن فنون المنمنمات والزخرفة وصناعة اللوحة الخطية وعن تطور الخط والكتابة، وعن أعلام هذا الفن الإسلامي وأدار الحوار د. إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية.

هذا التواصل الثقافي الذي يمتد لسنوات طويلة، ويحضر اليوم في ظروف صعبة هو دلالة على عمق العلاقات بين البلدين الصديقين، وما من خطاط سوري أو فنان يعنى بفن الخط إلا ويفخر بصداقاته مع أكثر من خطاط وفنان إيراني، ومن المأمول أيضا أن يتعرف الأخوة الإيرانيون على تجارب وأعمال الفنانين السوريين من خلال إقامة المعارض والملتقيات المتبادلة، لأنها تحمل في مضامينها نفس معالم الرسالة الحضارية الإسلامية في ثقافتها التي تدعو للمحبة والعدل والجمال، ومقاومة القبح والاحتلال واستغلال الشعوب والعدوان.