ثقافة

عازف القانون حكم الخالد: حلمي الأكبر الوصول إلى العالمية

منذ سنوات ليست ببعيدة كان يرتاد معهد صلحي الوادي كطالب متفوق على آلته التي يحبها، أما اليوم وبعد أن دارت الأيام يعود أدراجه بموهبته الكبيرة وعمره الصغير إلى هذا المكان الذي تعرَّف فيه أكثر على آلة القانون ولكن كأستاذ هذه المرة، إذ يؤكد عازف القانون حكم الخالد: “من الجميل أن أصبح أستاذاً في مكان كنتُ فيه طالباً يوماً ما، أعيش فيه ذكريات الماضي وأحاول أن أضع كل إمكانياتي وأبذل كل جهدي كي أردَّ جميل هذا المكان عليّ، وهو الذي رعى موهبتي وقدّم لي أجمل الأشياء في حياتي..تجربة جميلة آمل أن أحقق نجاحاً فيها”.

عازف في أوركسترا

ولأن النجاح بشكل مختلف والتميز لا يمكن أن يأتيا من لاشيء ودون أية مقدمات، كانت الموسيقا بالنسبة لخالد أول ما يتذكره عقله الواعي من مرحلة مبكرة جداً في طفولته، والبداية كانت من خلال استماعه للموسيقا الغربية حتى قبل أن يدرسها فكان يجلس لساعات طويلة وهو يستمع إلى بيتهوفن وتشايكوفسكي وموتسارت، بالإضافة إلى الموسيقى الشرقية التي كانت تتمثل في أغاني أم كلثوم وبعض المؤلفات الشرقية الأخرى، مبيناً خالد أنه شيئاً فشيئاً تعلّق بالموسيقا الشرقية بشكل كبير وأحب آلة القانون التي رآها في أغلب الحفلات التي كان يحضرها، فأغرته بصوتها الرائع الذي لفت انتباهه فقرر أن يتعلم العزف عليها، والبداية كانت من خلال انتسابه إلى معهد صغير علّه يجد هدفه هناك، فبدأ بأخذ الدروس على يد عازف القانون المعروف توفيق ميرخان لتكون الخطوة الثانية الانتساب إلى معهد صلحي الوادي الذي حقق فيه أعلى العلامات، فكان طالبا متفوقاً، لا يكلّ من التدريب والتمرين، مشيراً خالد إلى أنه بعد ذلك مرَّ بعدة مراحل مهمة في حياته، منها انتسابه إلى أوركسترا معهد صلحي الوادي وتصنيفه بعد ذلك عازف صولو في الأوركسترا وهو في عمر 13 سنة، وقد شارك معها في عدة حفلات كعازف صولو على مسرح الدراما في دار الأوبرا بدمشق وفي المراكز الثقافية ومهرجان صور في لبنان، منوهاً خالد إلى أن هذه التجارب كانت مهمة جداً، فمواجهة جمهور كبير يتطلب جرأة كبيرة، وهو في ذلك العمر الصغير استطاع أن يتغلب على خوفه وتعززت ثقته بنفسه، وكل ذلك بفضل الدعم والثقة التي زرعها بداخله معهد صلحي الوادي.

جائزة أفضل عازف

النقلة الثانية والمهمة في مسيرة خالد الموسيقية كانت عندما تم اقتراح اسمه من قبل المعهد لكي يشارك في مسابقة العازف الصغير في تونس، وكانت تلك المشاركة برأي خالد إحدى أهم المشاركات التي قام بها، حيث نال الجائزة الثالثة على عدد كبير من المتسابقين يُقدَّر بـ 74 متسابقاً من أغلب الدول العربية، وهكذا كانت تلك الجائزة محطة مهمة في بداية حياته الموسيقية ودفعاً معنوياً كبيراً للاستمرار في هذا الطريق، موضحاً خالد أن كل تلك المراحل ساهمت في تطوره الموسيقي الذي أصبح أغنى عند اختلاطه بالثقافات الموسيقية في البلدان التي قام بزيارتها، متذكراً في الوقت ذاته تجربته الكبيرة مع أوركسترا وزارة التربية كعازف رئيسي وعازف صولو حين سافر في العام 2010 مع الأوركسترا إلى روسيا، للمشاركة في المهرجان الثالث عشر لموسيقى الطفل، ونال فيه جائزة أفضل عازف في المهرجان الذي ضم عدة مشاركات من 14 دولة حول العالم، فكانت فرحته لا توصف حيث كان لتلك الجائزة خصوصية كبيرة بالنسبة له لأهميتها في حياته الموسيقية، فقد زرعت بداخله إحساساً بالمسؤولية وبأنه يجب أن يستمر في هذا الطريق لكي يصبح يوماً ما من أهم عازفي القانون في العالم..بعدها سافر إلى ألمانيا وقام بإحياء حفل موسيقي هناك.

المعهد العالي

أكمل خالد دراسته في معهد صلحي الوادي ووجد بأن الموسيقا كالأم التي تربي أولادها على حسن الخلق، فالموسيقى -كما يؤكد- تغير في داخل الإنسان وتجعله رقيقاً، مرهف الإحساس، طيب القلب، فما بالك إن كان مصدر تلك الموسيقا آلة كآلة القانون، ولكي يكمل مشروعه الذي رسمه في مخيلته تقدم إلى المعهد العالي للموسيقا بدمشق وانتسب إليه، وبدأ في دراسته الأكاديمية للموسيقا بتلك الجدية التي عُرِف بها في معهد صلحي الوادي، فكان وما زال طالباً متفوقاً فيه، والتفوق من وجهة نظره يولد من مدى حب الشخص للشيء الذي يتعلمه ومدى رغبته في أن يكون متميزاً عن البقية، دون أن ينسى ذلك المجهود الذي يبذله في تدريبه للوصول لتلك المرحلة، مؤكداً خالد على أهمية وجود منافسين يتنافسون لتقديم ما هو أفضل من أجل إبراز ما يتمتع به كل واحد، خاصة إذا كانوا طلاباً في أهم مؤسسة موسيقية في سورية، حيث يكون التنافس فيها كبيراً ومهماً بهدف التطور الموسيقي للوصول إلى مرحلة الاحتراف.

حلم الوصول

ولأن الحوار معه لا يمكن أن ينتهي دون أن يعرّفنا على الآلة التي أسرت قلبه ووجدانه، يوضح خالد أن آلة القانون هي من أهم الآلات الشرقية والأهم برأيه، وككل آلة موسيقية تمتلك شيئاً يميزها عن الآلات سواء بالصوت أو بتقنية العزف، فصوتها محبب من جميع الأشخاص سواء كانوا موسيقيين أم لا، ودائماً ما يقال بأنها آلة عذبة الصوت، أما عازف القانون برأيه فيجب أن يتمتع برقيّ كبير وأن يمتلك الأفكار الجميلة لكي ينعكس ذلك على موسيقاه، داعياً خالد كل العازفين بشكل عام وعازفي القانون بشكل خاص إلى ضرورة الاستماع إلى الموسيقى بشكل دائم ومحاولة محاكاة ما يسمعونه، فهذه الطريقة تزيد من تطورهم وتقنية عزفهم على الآلة، وتطور من الأفكار التي يمكن أن يستندوا إليها في عزفهم، أما ما يحزنه كعازف على آلة شرقية هو أن الموسيقا الشرقية لم تعد كما عهدناها، إذ ينحدر وضعها يوماً بعد يوم، متمنياً أن يكون في يوم من الأيام ذلك الشخص الذي يقوم بإحيائها بالشكل الذي تستحقه، وهذا ما سيسعى إليه دون أن ينسى حلمه الأكبر بالوصول إلى العالمية، مبيناً أن كل موسيقيّ يتمنى الوصول إلى مكان ينهي به سنوات كبيرة من الجهد والعمل بتحقيق الهدف الذي كان يحلم به ليكون ثمرة دراسته الشاقة وتدريباته المستمرة..من هنا يصبح حلم الوصول يوماً ما إلى العالمية مشروعاً بالنسبة له، من خلال تحقيق الشهرة الكبيرة ووضع بصمة خاصة به تختلف عن جميع العازفين.
أمينة عباس