ثقافة

“الدكتور علي سعد.. بصمات تربوية” التغيير من الإطار النظري إلى التطبيق العملي

“كرة الثلج المستخدمة مجازاً في ميادين الاقتصاد والمجتمع والتي تبدأ بالتشكل والهبوط، متدحرجة من أعلى قمة الجبل صغيرة لتكبر رويداً رويداً وتأخذ حجمها عند أسفل الجبل، تسلك الطريق المعاكس في مجال الثقافة والتربية؛ إذ تبدأ بالتشكل عند أسفل الجبل وتبدأ بقوة السواعد؛ بالتدحرج باتجاه القمة وعكس الجاذبية الأرضية لتستكمل تشكلها عند القمة، ولكل منا أن يتخيل الجهود المطلوبة للقوة الدافعة لهذه الكرة الثمينة”.

هو تعريف الدكتور علي سعد صاحب مشروع التطوير التربوي موضوع الكتاب “الدكتور علي سعد.. بصمات تربوية” للدكتور عيسى الشماس؛ والذي يأتي محاولة لرصد عمليات تحول “رؤى التغيير التربوي” من إطارها النظري إلى حيز التطبيق، ومن أبعادها الشخصية إلى إطار اجتماعي وطني قومي وإنساني، وهو نوع من التوثيق للمشروع الكبير في مجالات التطوير التربوي؛ عمل عليه الدكتور سعد خلال مسيرته العملية الطويلة في المجال التربوي. وفي سبيل تحقيق أعلى درجة من الموضوعية والشمولية وتوخياً للفائدة المرجوة؛ تم تقسيم الكتاب إلى بابين رئيسيين:
باب أول حمل عنوان مقدمات فكرية ومتضمناً فصولاً ثلاثة أتت على التوالي:
التربية والتنمية البشرية، الواقع العربي وتحدياته، والتطوير التربوي. حيث تم التركيز على تعريف للتنمية بشكل عام على اعتبار أنها الجهد المبذول والمنظم لتنمية موارد المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بقصد القضاء على التخلف، والسبيل للّحاق بركب الحضارة؛ وحيث أن إعداد الإنسان وتأهيله هو العامل الأهم لنجاح هذه التنمية؛ بالإضافة إلى التركيز على أهمية الموارد البشرية ومراعاة التنمية البشرية. بينما كانت الهوية هي موضوع الفصل الثاني؛ حيث يرى الدكتور سعد: “أن هويتنا العربية مهددة ومعتدى عليها، ويلاحقها عقوق بعض أبنائها، والمؤتمنون على حمايتها- باستثناء أولئك المؤمنين بوحدتها وحريتها وعدالة قضيتها- يلهثون وراء التفاصيل الصغيرة التي تقودهم إلى عكس ما يتطلبه الجهد الواعي والتنمية المقصودة”.
الباب الثاني الذي حمل عنوان “تطبيقات تربوية” حيث التأكيد على أن هذه الرؤية في التطوير التربوي، إنما ولدت لدى صاحب المشروع؛ من خلال عمله الدؤوب لتحقيق العديد من الأعمال؛ ليس في جامعة دمشق فقط؛ بل تعداها للتعاون مع العديد من كليات التربية في الجامعات العربية، فهو يؤكد أن: “التربية فعل متصل ممتد عبر أبعاد الزمن الشخصي للفرد والزمن القومي للأمة، فعل متكامل مع متغيراته؛ مشترك في مدخلات كينونته؛ ومتفاعل مع مخرجات سيرورته”. على أن يتم الأخذ بعين الاعتبار؛ التحديات الكبرى التي تواجه نظمنا التربوية، والتي كما يؤكد أنها تحتاج إلى: “القرارات والممارسات المناسبة لمواجهتها”.
ويتناول الكتاب في فصله الأخير “التغيير- مواقف وشهادات” ردود الأفعال والعديد من المواقف التي واجهت المشروع، والتي تضمنت تحليلات وانتقادات وملفات من ضمنها كل ما تطرق إليه الإعلام والعمل الميداني؛ قابلها القائمون على المشروع بالحجة والبرهان، وفي حدود خدمة التغيير وأهدافه.
في النهاية كان لابد من الاعتراف بأن قيادة التغيير هذه؛ عملية ليست من السهولة بمكان، شاقة، متشابكة متداخلة العناصر، تعتمد العنصر الإنساني بالدرجة الأولى، متمثلاً في حماس قادة التغيير من جهة؛ والتزام المتأثرين بالتغيير من جهة أخرى.   الكتاب الذي أتى في 448 صفحة من القطع الكبير، وفي تأكيد من الدكتور عيسى الشماس، التزم الشفافية التي يستحقها هذا السعي الجاد والدؤوب الذي قامت به فرق عمل كبيرة خبيرة ومتمكنة، مما أدى إلى تغيير جوهري ملموس طال عمق النظام التربوي؛ والذي يشكل كل تنمية متوخاة، في سبيل الوصول بالمجتمع إلى أن يكون متمكناً وعادلاً؛ وأكثر من ذلك أمة متمكنة؛ قوية وعادلة، وصولاً إلى عالم عقلاني وعادل.
بشرى الحكيم