ثقافة

المتابعة الدرامية ..حالة فردية

 

استطاعت الأعمال الدرامية المتنوعة لدراما هذا العام بين الشامية والاجتماعية والكوميدية الخفيفة أن تجمع بين أفراد الأسرة والأصدقاء لمتابعة الأحداث، فهناك من تابع من أجل الحبكة الدرامية الكلية بما تحمله من مضمون إنساني يتقاطع مع مفارقات وتناقضات موجودة في مجتمعنا، لتصله رسائل خفية يقرؤها من رمزية المشاهد ودلالاتها، وآخرون تستهويهم لعبة التحليل والتأويل في استنباط الأفكار والربط بين الأحداث التي تعكس حالة من الإسقاط الواقعي، والأجمل بالنسبة لبعض المشاهدين متابعة الفنان الذي شغفوا به، فيجرون عملية بحث عبْر القنوات الفضائية عن الأعمال التي شارك فيها كحالة فردية وسط عمل جماعي، يعيشون معه حالة الشخصية التي رسم ملامحها الخارجية من حيث الشكل، موظّفاً أدواته الخاصة لإظهار سلوكياتها إضافة إلى التعبير عن سماتها النفسية الخاصة، وكيفية تصرفاتها وردود فعلها مع الآخرين، فيدخلون دون شعور في لعبة المقارنة بين الشخصيات التي يؤديها في عدة أعمال متأملين التقاطعات والاختلافات بين خطوطها الدرامية وبين مفردات كل شخصية، مثل الفنان سلوم حداد الذي نجح في تأدية شخصيات مختلفة تماماً في مسلسلي “الندم وزوال”، وكذلك الممثل محمد الأحمد في “أحمر وصدر الباز ودومينو”، والممثلة نادين خوري في “عطر الشام وزوال”، وسلمى المصري في “صدر الباز وعطر الشام”، وإمارات رزق في “طوق البنات وعطر الشام”، في حين وجدت نسبة كبيرة في متابعة الأعمال الشامية صورة عن الزمن الجميل الذي يذكرهم بماضيهم وبمفردات شامية شائعة سابقاً إضافة إلى الأمثال الشعبية.
وفي منحى آخر استهوت أعمال العنف والإثارة والجريمة شريحة من المشاهدين كما في دومينو، ورأوا فيه تطوراً درامياً من حيث حركة الكاميرا واللقطات وأداء الممثلين بما يتقاطع إلى حدّ ما مع الأعمال التركية المدبلجة. في المقابل هناك من تابع متابعة سطحية من أجل التسلية والترفيه عن النفس فوجد في الأعمال الكوميدية الخفيفة مبتغاه مثل “سليمو وحريمو”، وكانت لوحات بقعة ضوء موضع اهتمام شريحة كبيرة من المشاهدين لاسيما أنها تألقت بنجوم الدراما السورية وحفلت بلوحات خاطبت الحرب الإرهابية بشكل مباشر، وفي المقابل بعض المشاهدين يتابعون من أجل الإصغاء إلى الموسيقا التصويرية والتداخل الصوتي بين الآلات، لاسيما المتخصصون ببحر الموسيقا، وهم الأقدر على إيجاد العلاقة بين الجملة اللحنية ومكنونات الشخصية، وليس غريباً أن نجد من يتابع من أجل الاستمتاع بجماليات متعددة من حيث الشكل والأزياء والماكياج وعالم الموضة وما يسمى بأحدث ظهور للممثل، مما يدل على أن الدراما السورية التي تفوقت على الدرامات العربية، رغم قوة بعض الأعمال المصرية، واهتمام الأعمال اللبنانية المشتركة بتألق الصورة البصرية من حيث التقنيات الفنية وانتقالات الكاميرا السريعة وجمالية الأماكن، تملك القدرة على استحواذ المشاهد، ونقل صورة واقعية عما يدور في المجتمع تتضمن بالتأكيد انعكاسات الأزمة وتبعاتها على حياة المواطنين في كل المناحي، والأمر اللافت دخولها مناخات جديدة وتصويرها في أماكن واقعية بارتباطها بموضع الحدث كالتصوير في جبل الأكراد والدخول إلى عوالمهم.
بالتأكيد هذا التنوع الدرامي وما يتبعه من تفاصيل فنية ومؤثرات تغني ثقافة المُشَاهد الدرامية وذائقته الفنية وفق الفروقات الفردية، ووفق التراكمات الثقافية الحياتية عامةً، وقدرة المشاهد على التحليل والربط معتمداً على مبدأ الاسترجاع والاستباق، والأهم قدرته على المتابعة بكامل حواسه واندماجه مع الشخصية، مما يجعلنا نقول: إن المتابعة الدرامية حالة فردية.
ملده شويكاني