ثقافة

أديب مخزوم في معرضه بدار الأوبرا.. الجمال في مواجهة الخراب الروحي

قرأت عدة  عناوين لأديب مخزوم الناقد الشغوف بالفن التشكيلي والمتابع باهتمام، العاشق للموسيقى والأسطوانات الموسيقية والأغاني القديمة، من هذه العناوين: “المناخ اللوني في اللوحة السورية المعاصرة – تأملات جديدة في الإبداع التشكيلي – سجالات تشكيلية في محترفات سورية – فريد الأطرش قيثارة السماء” تميزها المساحة الكبيرة للتأليف وطرق الأبواب الجديدة في اللغة التشكيلية، التي تناسب الفنان مخزوم أكثر من سواه من كتّاب النقد والتنظير في الفنون التشكيلية وأدب اللوحة والمنحوتة والنوتة الموسيقية، وما يتبع هذه الأشياء الجميلة التي تحتاج إلى أكثر من دأب ليلّم بها رجل واحد، يرسم ويعمل صحفياً في صحيفة يومية ورسمية تقولبت يومياته بحالتها الجميلة التي اختار مفرداتها الأساسية من لوحة وموسيقى وتأليف نقدي حيناً، وكتابة عن معارض أصدقائه الفنانين التشكيليين السوريين، وعن التجارب العربية الهامة في بعض الدوريات العربية حيناً آخر.
وفي جديده البهيج افتتح أمس المعرض الفردي للفنان أديب مخزوم  في صالة المعارض في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق ضم حوالي خمسين لوحة جديدة وبقياسات مختلفة منفذة بتقنية الرسم بالأكرليك على الكانفس، وقد قسم الفنان المعرض إلى أربعة مستويات أو أربعة تصنيفات حسب المواضيع التي تناولها في لوحاته المعروضة:
لوحات المجموعة الأولى تدور حول القوارب الورقية، وهي تشكل عودة إلى ذكريات طفولة الفنان على شاطئ البحر الرملي في مدينة طرطوس، هكذا عرّف بها الفنان في بروشور المعرض، والقسم الثاني محاكياً لموضوع دمشق الأثير وهو الياسمين الدمشقي باعتباره فسحة أمل بيضاء، يراها الفنان وسط هذا الخراب والدمار المادي والروحي، وما أصاب حياتنا من تعب وألم، والقسم الثالث حول الموسيقى، حيث بدت واضحة ميول الفنان الموسيقية وشغفه واهتماماته بالحفظ والأرشفة والعزف وميله للغناء، عبّر عن ذلك بمجموعة لوحات تحت مسمى “العازفات” وتظهر فيها المرأة العازفة مع آلتها الموسيقية تعزف عليها هنا وتحضنها هناك، والأخير من المواضيع مخصص للمرأة برمزيتها وحضورها وبعلاقة الفنان معها، ملهمة ومنتجة لروح الانتماء وموطن الحب والخلق والإبداع في اتجاه يعزز مكانة المرأة ويؤكد بهاء حضورها، في لغة تشكيلية أنيقة ومجربة تتناوب في درجاتها حضوراً لافتاً لإمكاناته التقنية وللفكرة التي يعالج، بلغة تشكيلية حديثة تتراوح بين التصريح والتلميح، في خطوات الدمج بين الواقعية والتعبيرية والتجريدية عبر معطيات اللمسة اللونية العفوية والتلقائية والمباشرة.
يمتلك الفنان أديب مخزوم لغة بسيطة وواضحة الدلالة، فمثلما يكتب في النقد هو يرسم، وحسبي أن في الأمر وضوح الشخصية الفنية وثباتها على حال، مستقرة بعيدة عن التوتر وقلق المغامرة والتجريب، ويتضح من خلال التوازن في معمار لوحته وبناء عناصرها المتجلي في التكوين القائم على المنطق، وإن شاغلت المساحات الملونة سطح اللوحة بضربات عريضة وملونة أفقية وعامودية إلا أن التوازن في التأليف اللوني ودرجات اللون المتقاربة والمتكاملة، جعلت من العمل أكثر تنظيماً، وإن بدا عفوياً تغيب عنه التفاصيل والخطوط الدقيقة التي تفصل حدود الشكل عن سواه، هذه البقع الملونة هي مهرجان آخر في اللوحة التي يقتصر هدفها بالموضوع من خلال دلالة تصويرية مثل المرأة والكمان والقارب الورقي أو الياسمين..
احتشد المعرض باللوحات، فصالة العرض التي تتسع بالمساحة لخمسين لوحة على جدرانها لا يعني بالضرورة خمسين لوحة في شروط عرض صحيحة، فالفواصل بين اللوحات ضرورية جداً خاصة حينما تختلف قياسات اللوحات مما يجعل في الأمر اختناقاً لا ضرورة له، وبالتالي لا بد من تقليص عدد اللوحات.
أديب مخزوم من أكثر الفنانين متابعة للأنشطة الفنية والمعارض في العاصمة وسواها خلال السنوات العشرين الماضية، وبالفعل فقد أصدر” تيارات الحداثة في التشكيل السوري”  وهو كتاب حافل بالأسماء الفنية التشكيلية، ومن العجب غياب العديد منها في يوم افتتاح معرض صديقهم الذي واكب نشاطاتهم وكتب عنها وأحبها.. لكن يبقى هذا الرجل الجميل بربطة العنق الملونة وفياً لأصدقائه وللجمال، ويستحق قلبه الأبيض أكثر من قارب وشاطئ.

أكسم طلاع