ثقافة

رامز حاج حسين: أطلقوا يد الشباب وسترون أداءهم المدهش في مجال فن الطفولة

يكتب ويرسم كل النصوص التي يقدّمها للأطفال، ويعترف وهو المصنف في موسوعة رسامي أدب الأطفال أنه حتى الآن لم يجد نصاً طفلياً يبهره، ومن هنا يدق نواقيس الخطر ويدعو لإعلان النفير الطفلي العام، مطالباً بإطلاق يد الشباب لنرى العجب في مجال فن الطفولة، والبدء برأيه بوضع خطة وطنية للاهتمام بأدب وفن الطفل وهو المقتنع بأننا ما زلنا نعيش في عهد المبادرات والنشاطات الفردية.. وعن تجربته الفنية لا يمكن له من خلال حوار “البعث” معه إلا أن يتوقف عند تجربته الأميز “أبو حمدو” إنه الفنان رامز حاج حسين.

لغة بصرية عالية
< الرسم لغة يمكن من خلالها مخاطبة الطفل..ما خصائص هذه اللغة.. وكيف ترى واقعها بشكل عام وفي سورية بشكل خاص..؟.
<< أهم خصائص لغة الفن الطفلي هي القدرة على مجاراة خياله وخصوبة الأفكار لدى الرسام، فلا بد لرسام قصص الأطفال من التمتع بالخيال الرحب والإلمام بثقافات وأساليب رسم متنوعة ومختلفة، وأهم ميزة يجب أن يتمتع بها الابتعاد عن الاستسهال و اللامسؤولية تجاه مخاطبة ذهن الطفل.
وللأسف واقعها في سورية يتردى بعد سنين ذهبية قادها رعيل من الجيل الذهبي كالفنان ممتاز البحرة ونذير نبعة وسرور علواني، ولك أن تجدي هذا التردي- كمنهجية ودراسة أكاديمية ومناخ ثقافي عام- من حيث الموضوع والشكل والإخراج في الرسوم الموجهة للأطفال.
< إذا كانت لغة لا يتقنها أصحابها “الفنانون”، ولا المتلقي “الأطفال”.. فما هي الأسباب برأيك..؟.
<< الأسباب غياب المناهج الأكاديمية، والوعي تجاه أهمية هذه اللغة في مفاصل الأوساط الثقافية المهتمة بنشر الوعي والثقافة للأطفال، وغياب الاهتمام بالمواهب ومنحها الفرصة والمنبر للتعبير عن ذاتها.
< ما هي أبرز المعايير التي يجب أن يأخذها بعين الاعتبار كل رسام يريد أن يتوجه للطفل..؟.
<< إتقان فن اللوحة وامتلاك ثقافة ومخزون بصري وفكري، والقدرة على تحويل أي نص أدبي إلى خطوط وألوان، والإضافة والتحليق بهذا النص وفهم متطلبات الأطفال في هذه الأيام لضرورات الجذب، والحاجة إلى لغة بصرية عالية في اللوحة لنتمكن من جذب اهتمام وانتباه الطفل.
< تتوجه للطفل عبر هذه اللغة من خلال العديد من المجلات الطفلية..ما هي المعايير التي تحدد طبيعة هذه اللغة وشكلها في كل مجلة من المجلات..؟.
<< هوية أي مجلة تتبع للمجتمع والجهة الناشرة..مثلاً نحن في مجلة أسامة نحاول جهدنا أن نصبغ الكلمات والرسوم واللوحات بالصبغة المحلية السورية، لأن نجاح أي دورية طفلية يجب أن ينبع من واقع وحياة وتفاصيل معيشة المجتمع الذي تنتمي إليه، ومن ثم إتقان مفردات اللغة البصرية الخاصة بأطفالنا، ليشعروا بان اللوحات في مجلاتهم وقصصهم تعبر عنهم وعن هويتهم وثقافتهم.
< تعمل في مجلة شامة (للأعمار الصغيرة) فما هي خصوصية التوجه إلى هذه الفئة العمرية..وما أبرز ما يجب أن يتحلى به من يريد التوجه إليها..؟.
<< شامة أثيرة على قلبي منذ أن وضعت أولى خطواتي فيها مع باكورة انطلاقها مع العزيزة انطوانيت القس، وكانت انطلاقة مغامرات (سمسمة) فيها وخصوصية التوجه لهذا العمر هي المتمثلة بالمثل العربي الشهير(العلم في الصغر كالنقش على الحجر).. في هذا العمر يمكننا أن نغرس القيم والفهم والإدراك السليم في خلد الطفل، وهي مرحلة عمرية من أصعب المراحل في مجال رسوم الأطفال، على عكس ما هو دارج لدى بعضهم بأن نبسّط وننزل برسومنا لمستوى عمر الطفل، في الوقت الذي  يجب أن نرتقي برسومنا لنواكب خيال وتطلعات الأطفال..كما يجب أن يكون الرسام لهذه المرحلة مثقفاً وفناناً متمكناً ويتمتع بخيال واسع.
< تعمل أيضاً في كتابة القصص ورسومات الأطفال..ما أبرز ما يميز رسوماتك حينما تكون القصة قصتك..وما هي طبيعة العلاقة التي تربطك عادة كرسام مع كاتب القصة..وإلى أي مدى يؤثر شكل وطبيعة العلاقة بينكما على ما تقدمه..؟.
<< أعمل في مجال قصص الأطفال ورسمها منذ ما يقارب الـ (20) سنة، واضطرتني النصوص التي كنت أتعامل معها في بداية رحلتي الطفلية لأن أعزف عن استلام نصوص لآخرين، لأنني لم أجد نفسي وخيالي في معظم النصوص التي تصديت لها، ولذلك صرت أكتب وأرسم كل النصوص التي أقدمها للأطفال، لأنني لم استطع حتى الآن أن أجد نصاً طفلياً يبهرني لكي أحرِّض ريشتي على إبداعه ألواناً.
< كمصنف في موسوعة رسامي أدب الأطفال، ما تقييمك لمستوى رسامي أدب الأطفال في سورية وخاصة الشباب منهم..؟.
<< الجيل الذي أنتمي إليه مليء وزاخر بالمواهب الواعدة والمتطورة فكراً وخيالاً وقدرة على رسم لوحات القصص المصورة، لكن لا نجد لهم أثراً واضحاً في الحركة الثقافية لرسوم الأطفال، والسبب أن المنهج السائد في المفاصل التي تتصدر مشهد رسوم أدب الأطفال ومازال غير قادر التحرك بليونة تجاه التطور وإعطاء الفرصة للشباب ليدلوا بدلوهم في هذا المجال، لذلك أقول: أطلقوا يد الشباب الفنانين وسترون العجب في مجال فن الطفولة.
< ما أكبر المطبات التي يقع فيها رسامو الأطفال عادة (في سورية)؟.
<< أكبر المطبات تكمن في عدم إدراك أهمية فن الطفل ورسم القصص للأطفال، والكسل عن البحث والمتابعة والإلمام بما يحدث من تطورات في هذا المجال، وعدم إعطائهم المنابر المناسبة والفرصة العادلة لإثبات موهبتهم وهذا يصيب البعض منهم بالإحباط والانكفاء إلى فنون أخرى لإثبات ذواتهم، والسبب الأهم هو عدم وجود منهج أكاديمي في جناحي القصة الطفلية  “الأدبي والفني”.

لا خطة واضحة
< وماذا عن واقع أدب الطفل وكيف يمكن أن ينعكس هذا الواقع على رسامي الأطفال..؟.
<< ما زلنا نعيش في عهد المبادرات والنشاطات الفردية..نصيب مرة ثم نتعثر مرة أخرى..لا توجد خطة واضحة ولا يوجد دليل رشيد، وإذا لم نمتلك الأساس الجيد والنص الذي يمنحنا الخيال الواسع واللغة العالية لا يمكن أن نحصل على لوحة إبداعية جميلة..؟!.

“أبو حمدو” الأميز في تجربتي
< رسمت العديد من الشخصيات المعروفة لدى الطفل..حدثنا عنها..وما هي الشخصية الأحب إلى قلبك وقلب الأطفال..؟.
<< كل يوم تطل من بين خطوطي وتجاربي على الأوراق البيضاء شخصيات جديدة..لكن تبقى شخصية (أبو حمدو) الأميز في تجربتي، ومن شدة التصاقي بها أصبحت أكنى بأبي حمدو لدى العديد من أصدقائي، هذه الشخصية ولدت مع بداية رحلتي الفنية في 1 نيسان1997 عندما جئت طالباً فرصة عمل من الراحلة الكبيرة دلال حاتم في مجلة أسامة، ومن يومها وحتى الآن وهذه الشخصية تمثل الجانب الآخر من شخصيتي الطفلية، ويمكن القول إن إغراقه بالمحلية وخروجه بتفاصيله السورية وقريته وكل مرافقيه جعل “أبو حمدو” حمَّالاً للقيم التي أبثها عبر مغامراته نحو الطفل السوري، لذلك ما زال أبو حمدو جسر الوصل المعطّر الذي يصل بين موهبتي وضحكات الأطفال الأعزاء.
< ما السبيل لتطوير الفن الموجه للطفل (فن الرسم) خاصة وأن طفلنا يعيش عصر الصورة بكل أبعادها..؟.
<< يجب أن نعلن النفير الطفلي العام وندق نواقيس الخطر فأطفالنا عرضة للثقافات والفنون غير المدبلجة والمقتحمة لبيوتنا ليل نهار، لذلك علينا أن نفعّل الكليات والمعاهد، وتتضافر الجهود في وزارات الإعلام والثقافة والتربية وكل المعنيين، لنبدأ خطة وطنية للاهتمام بأدب وفن الطفل لنعرّف أطفالنا بهويتهم السورية التي تمتد لأكثر من 7000 سنة.
< كيف ترى تأثير التكنولوجيا على الفن الموجه للطفل؟.
<< للأسف يستسهل الفنانون العمل في مجال الرسم للأطفال، لذلك وأمام هذا المصدر المفتوح للوحات الفنانين العالميين، نجدهم يقتبسون ويقلدون ويسرقون أفكار ولوحات الغير ليقدموها بكل انعدام للأمانة والوعي على أنها لوحات أصلية من إنتاجهم، وهذه أكبر الطامات والآفات التي نواجهها. من هنا لابد من وجود لجان مراجعة ورقابة، لأنني أشجع الرسام المبتدئ المتعثر، متوسط الموهبة وهو يحاول إبراز ذاته، أكثر من فنان له اسم ويقتبس من الآخرين..ولا ننسى أن التكنولوجيا وبرامج الرسم والتلوين على الكمبيوتر تؤثر سلباً على الرسم اليدوي والإبداع المرتبط بالجهد والتعب والبحث عن المصادر المهمة للإبداع.
< حدثنا عن تجربتك في العمل الكرتوني (الرسوم المتحركة)، وكيف تفسر غياب هذا العمل في ساحتنا المحلية..؟.
<< مشروع تخرجي في كلية الفنون الجميلة كان عبارة عن فيلم كرتوني مدته 15 دقيقة، وما زلت مواظباً على البحث عن تجربتي الخاصة والتعاون مع مواهب شابة سورية لإنجاز منتج كرتوني محلي، وحالياً في رصيدي 4 مسلسلات كرتونية: فستق ولوزة، فكور وفكورة، ريشة وريشي، والعنكبوت الأزرق، والعديد من الفواصل الدعائية والفيديو الكرتوني.. يؤلمنا كفريق عمل وطني شاب أننا نمتلك كل الإمكانات لعمل رسوم متحركة مميزة، وحتى عمل فيلم ينافس بالمحافل العالمية المهرجانات، لكن نحن نحتاج إلى مؤسسة ترعى هذه المواهب وتضعها ضمن الإطار العلمي والفني والعملي الصحيح، وأنا أنتظر هذه الفرصة مثل الكثير من المبدعين الشباب غيري.
< وتجربتك في مجلة أسامة، ماذا تحدثنا عنها؟ وكيف تصف المرحلة الحالية التي تعيش  فيها على صعيد عملك الفني…؟.
<< منذ عام 1997 وأنا مستمر مع مجلة أسامة وللأمانة لم أجد مثل الاندفاع والعطاء والرغبة الصادقة في الإبداع إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، التي تشرفت فيها بحمل أمانة الإشراف الفني مع الآنسة ريم محمود والشاعر قحطان بيرقدار، الذي حمل هموم المرحلة الشائكة وانطلق بكل مسؤولية واندفاع لإحداث خرق في الأطر السائدة وأنجزنا نقلة نوعية جعلت أسامة الأميز على مستوى الوطن العربي.
< كيف تفسر غياب تعليم اختصاص رسومات الأطفال عن معاهدنا وكلياتنا (كلية الفنون الجميلة).
<< كما في كل منتج ثقافي عالٍ يجب أن يكون هذا الفن حاجة مجتمعية تبدأ برغبة الأسرة بتنمية أدب وفن أطفالها، وينتهي بوعي القائمين على المنابر الثقافية، وهذا الجانب يعتبر في عصرنا الراهن من أخطر وأقوى الأسلحة التي تبرمج فيها المجتمعات أطفالها نحو الوعي والرقي والبناء.
أمينة عباس