ثقافة

“نحل مجتمعي” الشراكة الحقيقية للشباب تخلق مجتمعاً فعالاً

في مكان لا يملك أي صفة تجارية، بعيد كل البعد عن أي ربح مادي، مكان يشبه خلية النحل في التعاون، يعمل مجموعة من الشباب الفاعل مجتمعيّاً في منطقة “المزّة 86” كل الوقت دون أي توقف، وبما أنهم بشر فقد استبدلوا الغذاء الملكي بتأسيس مكان يبث الطاقة الإيجابية، ويرفع من قدرات مختلف الشرائح المتواجدة في المنطقة العشوائية في مجالات التطوير الشخصي والمهارات المختلفة.

مركز “نحل المجتمعي” هو الاسم الذي تم اختياره من قبل الشباب، وهو اختصار لـ”نحن حلم لبكرا”، وعند زيارة المركز اطلعنا على هذه المملكة المفتوحة، وكيفية تعامل المتطوعين وتفاعلهم لتقديم المبادرات وكأنهم نحل يطيرون بفرح وسعادة لإنتاج العسل، وتقديمها لتكون مصدر خير يعم على كل أبناء المنطقة من شبابها وسيداتها وأطفالها.
قصة “نحل”
قام شباب “نحل المجتمعي” بتحويل المكان إلى مملكة ليكون ملك الحي والسكان، وبدأت القصة –حسب الشاب وسيم- من قبل مجموعة من الشباب في منطقة المزة 86 منذ عدّة سنوات، أطلقوا مبادرات عديدة تعود بالفائدة على المنطقة مثل “هنا سورية، خطوة، ماراثون منتعلّم لبكرا، تجميل الدرج”، في محاولة منهم لتخديم المنطقة بكلّ الفرص الممكنة، وسيكون المركز بمثابة مساحة لكل الأفكار الإيجابية وتنفيذ أنشطة مع أهالي المنطقة، وسيعمل كمنصّة تشاركية يقدم من خلالها المعرفة والخبرة ودعم الأفكار.
ويضيف وسيم وهو المسؤول الإعلامي للمجموعة: تعتبر “نحل” منصّة يستطيع الجميع من خلالها مشاركة المعارف والخبرات والاستفادة، وتقديم الكثير من المهارات بدءاً من الإسعافات الأولية، ودورات الكومبيوتر، والإعلام ومهارات التواصل، مروراً بالمسار المهني، وورشات تطريز وإعادة تدوير وجلسات التوعية الصحية والقانونية، بالإضافة إلى أنشطة للأطفال وبرامج مخصصة لهم وعروض أفلام هادفة، ونادي للكتب وأنشطة جماعية مفتوحة.
ورشة “المواطنة والانتماء”
في الوقت الذي تفكر فيه العائلات بتأمين لقمة العيش، يقدم مركز “نحل المجتمعي” الاحتياجات اللازمة للشباب والأطفال والسيدات التي لم تستطع الجامعات والمدارس تغطية هذه الاحتياجات، ويساعد المركز في تحسين اللغة، والتقدم إلى وظائف مختلفة وكتابة سير ذاتية، ففي مكان اجتمع فيه مجموعة من شباب من مختلف المهن -في منطقة عشوائية- من أجل تقديم أعمال تطوعية تعتمد على الدعم المشترك من قبل أعضاء الفريق كله، قامت “البعث” بزيارة للمركز وحضرت  ورشة بعنوان “المواطنة والانتماء” بدعم من الجمعية الخيرية للتنمية المستدامة، وتوقفنا بداية مع المدربة ردينة حيدر التي تحدثت عن المشروع قائلة: هي مبادرة شباب وشابات متطوعين، وأنا شخصياً مشاركة في ورشة “المواطنة والانتماء” ضمن مركز “نحل” للشباب واليافعين، بالإضافة إلى ورشة لتعليم الأطفال. وتضيف حيدر: من المعروف أن المواطنة مفهوم جامد بالنسبة للأطفال، لذلك يجب تحويل فكرة هذه المفاهيم إلى نشاطات استطيع من خلالها إيصال أفكار لها علاقة بالمواطنة والمسؤولية، فالعمل على عنصر الجمال والإنسان والفن يؤدي إلى إنتاج إنسان يملك قيماً وأخلاقاً معينة، وبالتالي إنسان إيجابي في مجتمعه وبيئته. من هنا يمكن القول أن أكثر الأشياء التي يمكن أن يتعلمها الأطفال تتم عن طريق الحكايات والمسرح والرسم والتلوين واستخدام الصلصال، لكي يتعلم الانتماء لهذا المكان. وستقدم حيدر الأنشطة ذاتها لليافعين، لكن بخطاب مختلف.
مبادرات صغيرة
وتفتقد منطقة الـ86 للمساحات الآمنة للعب الأطفال، وكذلك للحدائق، ولا يوجد فيها إلا مدرسة واحدة، من هنا تأتي أهمية هذا المشروع الذي حدثتنا عنه المدربة لمى خضور إذ قالت: تأتي أهمية المركز عبر مبادرة شباب خضعوا لورشات تدريبية، مؤمنون جداً بالعمل المشترك بطريقة خلاّقة وأخلاقية لبناء قدرات ومهارات، لديهم حلم جميل، ويؤمنون أنه رغم وجودهم في منطقة عشوائية إلا أنها تستحق أخذ حقها  من التنمية والعمل المجتمعي، فعملوا لإقامة مركز يعتمد على جهود الجميع وعلى مبادرات صغيرة منهم ساعدت في تمويله، وهو حلم كل شاب يعيش في هذه المنطقة، وقد بدأنا بمبادرة لبناء القدرات واستثمار طاقات الشباب بالطريقة الصحيحة.
وتضيف: من واجبنا كمدربين تقديم أنشطة لأطفال المنطقة، خاصة وأنه ما أن ينتهي العام الدراسي، إلا ونرى الأطفال ينتشرون في الحارات الضيقة، وفي هذه الحرب التي فرضت ظروفها أصبح الأهالي يخافون على أولادهم، ويمتنعون عن إرسالهم إلى الحدائق القريبة من المنطقة، لكن أعتقد أن المركز هو الحل في هذه الظروف، وحلم كل منطقة عشوائية، فهو مقسّم إلى خلايا مختلفة للسيدات والأطفال والشباب.
“جينز”
والمنطقة خالية تماماً من الأعمال التطوعية والمبادرات الخلاّقة فعمل شباب المنطقة على تقديم الطاقة والمبادرات الفعّالة، وكان للشاب حازم شاعر أحد مؤسسي الفريق دوره في إنجاح المشروع فقال: عملت مع فريق “جينز” منذ ثلاث سنوات، وبعدها قررنا أنا وبعض الشبان تأسيس فريق خاص بالمنطقة، وبدأنا بمبادرات تجريبية مثل تحسين درج في المنطقة كان من ينزلون عليه يخافون من السقوط عنه، فعملنا على ترميمه ووضع درابزين له لحماية المواطنين، وكان لنا مبادرات منها “ماراتون نتعلم لبكرا”. ويتابع: قررنا عمل مركز مجتمعي خاص بالـ86 ليكون منصة لانطلاق العمل التطوعي نابعة من احتياجات المنطقة.
“كراكيب بتنفع”
من جهتها مسؤولة خلية السيدات علياء شاعر قالت: أنا متطوعة في فريق “جينز” منذ ثلاث سنوات، نحضر مبادرات وورشات تطوع في كافة المجالات، وبعد كل هذه التدريبات قررنا تأسيس فريق لمنطقة الـ86، لتنمية قدرات الشباب والمساعدة بأي شي. وتضيف المتطوعة شاعر: تم تسمية المركز بـ”نحل” لأننا نشبه خلية النحل، وقد قسّمناه لخلايا فالكل يكمل بعضه، وأنا من جهتي أدير خلية السيدات، ولدي أكثر من مبادرة لمساعدة سيدات المنطقة من صبايا وربات منزل وسيدات وعاملات، وسأقدم ورشة بعنوان “كراكيب بتنفع” لأن السيدات تشدهم هذه الأشياء وبدلاً من رميها من الممكن الاستفادة منها، وتحويلها إلى شيء يصلح للزينة أو نستطيع استخدامها بطريقة جديدة، وأعمل أيضاً على مبادرة “كروشيه وإكسسوار” للسيدات العاطلات عن العمل، وهي بمثابة مساعدة ليستطعن تأمين دخل ولو بسيط، كما نسعى من خلال بعض المبادرات إلى تقديم المنتج الذي يقوم به المركز كتبرع لأي عائلة محتاجة، وتستطيع الصبايا من مختلف الأعمار صناعة حليها وزينتها بمواد بسيطة متوفرة في المنزل، ومن الممكن أن نقوم بمبادرة للإسعاف الأولي ليكون هناك مسعف في كل بيت، بالإضافة إلى ورشات تثقيفية للسيدات من الناحية القانونية.
الإعمار الثقافي
وتشارك المهندسة المعمارية علا نصر العبد الله لأول مرة في المركز، وقد شجعها على ذلك مشاركة أخيها وصديقتها في المركز فتقول: يعتبر المركز ضمن منطقة شعبية، هي منطقتنا، ومسؤوليتنا النهوض بها، وعندما سمعت أن هناك مركزاً جديداً يعمل على مبادرات وفعاليات تهم أهالي المنطقة وخاصة الشباب، بادرت للتطوع والمشاركة، فالهدف الأساسي هو التوجه لشريحة الشباب واليوم مشاركتي  أولية، لكن مع مرور الوقت ستكون مبادرتي لها علاقة بالإعمار الاجتماعي والثقافي، فقد اشتغلت من قبل على بحث من هذا النوع ضمن حملة تطوعية، وأتمنى اليوم أن أعيد الكرة وإيصال فكرة أننا كمجتمع يمكننا خلق مساحات تفاعلية نبدع فيها ونخلق مجتمعاً فعالاً، وفي النهاية الأهم هو بناء الإنسان قبل بناء الحجر.
مبادرة للعمل
بدوره الشاب أحمد أسعد -خريج جامعة- تحدث عن وجهة نظره ورأيه بالمركز فقال: تطوعت للعمل في المركز منذ بداية تأسيسه، وبدأنا باستئجار العقار الذي كان بحالة سيئة. وأنا بطبعي أحب العمل التطوعي، خاصة في منطقة الـ86 تحتاج لهذا العمل، فالأمور التطوعية فيها شبه معدومة، وتحتاج  للأمور التنموية، وفي أول يوم بالعيد قمنا بمبادرة للأطفال، وتفاجؤوا بهذا النشاط لأنه جديد عليهم، وفي بداية تجهيز المكان كانت التصورات من قبل أهالي المنطقة كلها متجهة نحو المعهد أو مركز مساعدات، ولم يخطر ببالهم أنه مركز للتنمية، فهي فكرة جديدة وغير متوقعة، وبما أنني اعمل في مجال الطباعة، سأقدم مساعدة لشباب الـ86 من خلال التدريب المهني من حيث الصيانة للهواتف والموبايلات والأجهزة الالكترونية.
للأطفال نصيب
وبسبب حبها الشديد للأطفال ورغبتها بتقديم المساعدة لهم شاركت الشابة بشرى الشاعر -طالبة أدب فارسي- بطرح مبادرة جديدة للمنطقة، بشجاعة وثقة فتقول: إنها فكرة جديدة في المنطقة، والأطفال بحاجة للكثير من العمل وتقديم ورشات مختلفة للأطفال والشباب والسيدات تستوعب كل الأعمار. وتضيف: سمعت عن المركز وعن الكثير من المتطوعين، وأتمنى تقديم مبادرة للأطفال الذين فقدوا أهلهم وإقامة نشاطات تسمح لهم باللعب والتعبير عن ذاتهم واكتشاف مواهبهم.
لنا كلمة
إن الاهتمام والمشاركة في تطوير مهارات مختلفة من خلال دورات وورشات وجلسات وأنشطة لكل الأعمار، في منطقة ما سواء كانت عشوائية أم غيرها تساهم بتغيير إيجابي في الجوانب المهنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأفراد أنفسهم وللحي أيضاً، هي حالة إيجابية تعود بالفائدة الكبيرة على الناس والحي، لكن تبقى القضية مرتبطة بأسلوب تعاون مؤسسات الدولة معهم لتعميم هذه المبادرات في كل المناطق؟.
جُمان بركات