ثقافة

نور البصر والبصيرة

سهيل الشعار

يرحل الليل مع طلوع الفجر, وفي كل صباح سنولد مع الشمس من جديد، وبعد الحمل تأتي الولادة، وبعد الزرع يأتي الحصاد، وبعد الزهر يولد الثّمر فوق الأغصان، وبعد العاصفة لا بدّ من هدوء وسكون، وبعد الشتاء لا بدّ من ربيع.
نموت ليولد من بعدنا بشر آخرون، وما دمنا على قيد الشعور والحركة والإحساس, فلنستعدّ لاستقبال من سيأتي، فالحياة منزل كبير, يتّسع للجميع, ولسنا سوى ضيوف عليها إلى حين.
حين تصّفر الأوراق ستقع تحت الشجرة الكبيرة, لتفسح المجال لورقة خضراء جديدة مكانها, وحتى الثمار النّاضجة لن تبقى مكانها على الغصن, لأن هنالك أجيالاً جديدة من الثّمار اليافعة تنتظر الخروج, وهي مستعدّة وجاهزة لتأخذ فرصتها في الحياة.
كم هي الطبيعة متصالحة, ومتفاهمة مع نفسها, ومع مَن حولها, بعكس ابن آدم, الذي لن يرضيه أي شيء, ما دام له عينان كبيرتان واسعتان وجميلتان, لكن للأسف:
ينظر بهما ولا يرى !
-2-
إن مَن ينشر المعرفة والفضائل والكلمة الطيبة بين الناس, لا يقلّ شأناً وكرامة من أصحاب الفضائل ومبدعي الكلمة الساحرة.
يُقال: الكلام زرع.. والإنصات حصيدة..
ولا يضّر المطر إن سقط في صحراء, ولا ترخص قيمة الذهب وإن وضع حول أعناق فاسدة, وعلى رؤوس عقولها صغيرة!.
وُجدت القيم والفضائل والإبداعات الجميلة, والحكايات الخالدة والحكم والمواعظ لتغذية النّفوس, وريّ العقول, إنها مشاعل وقناديل وكواكب مضيئة, والاستفادة من المشاعل والقناديل لا يكون إلّا بتقديرها ورفعها عالياً, فالنار عندما تكون في الأعلى تنشر نوراً مضعّفاً. أليست حياتنا بأشدّ الحاجة إلى تلك المشاعل والقناديل؟ ألسنا بحاجة إلى صحبة الأخيار ليختاروا لنا الطريق القويم, والاتجاه الصحيح؟.
لكن من جهة أخرى, قد نجد حولنا, أناس  صحبوا الأخيار لكنهم لم يهتدوا بصحبتهم، فالضوء لا يعني شيئاً لأولئك الذين فقدوا نور بصيرتهم قبل نور بصرهم.
إن الكثير من الذين يكبرون, لا يكبرون إلّا بالعمر والوزن والحجم, لا بالقلب والعقل والروح. ولا شيء أعدل من الزمن, ولا مكان أوسع منه.. إنه غربال واسع الثقوب, يُسقط الأقزام من حساباته, ويبقي على العمالقة.
(وآثارنا على رمال الزمان, بعضها آثار نفوس كبار, وبعضها آثار أقدام).
Souheil-alchaar@hotmail.com