ثقافة

مسرحية الضيوف على مسرح القباني نُبْل الفِكرة ظلمَها الإخراج

لم يتمكن “عماد” من إخفاء فرحه بمعرفة المخبأ السري لأموال “الست سعاد” التي وبكل طيبة وكرم “وكثير من الثقة العمياء” فتحت باب التنور لتخرج مبلغاً من المال تعطيه له، وحين اقترب ونظر في الداخل صرخ مندهشاً: “هاد مو تنور، هادا قبر” وبشكل عادي مرّت العبارة، ولم تأبه بها الست سعاد، فهي لن تتخيل في أسوأ أحلامها ما سيحدث لها لاحقاً.

لجوء وجريمة
“سعاد” التي تعيش في منزلها الكبير لا يؤنس وحدتها سوى أحزانها لفقدانها الزوج والابن الوحيد بصورته المعلّقة في صدر البيت تناجيه بينما سمير “رئيس الخدم المخلص يعزف ويغني “هو صحيح الهوى غلاب”، بناء على طلبها.
لم يكسر هذا الروتين اليومي القاتل إلا الظروف التي دفعت بصديقة الجامعة سامية؛ تلجأ إليها بعد أن فقدت هي الأخرى الزوج والمال والمسكن، سامية التي سوف تستغل طيب وكرم مضيفتها وحاجتها الماسة لمن يؤنس وحدتها القاتلة، تقنعها باستضافة ابنتيها وقد أخفت عنها قدراتهما العقلية المتدنية، الأمر الذي تكتشفه لاحقاً وبالصدفة حينما يطل “عماد” وقد أوحت إليه زوجة أبيه سامية بأنها صاحبة المنزل الكبير، وعماد الذي أدمن الفشل في حياته لا يتردد باستجداء المال الذي أدمن اقتراضه والعجز عن سداده من الست سعاد التي وهبته إياه، وقد استمال عواطف السيدة الطيبة التي حسبته كولد لها، وهو لم يخفِ نواياه المستقبلية حين كشفت أمامه عن التنور مخبأ أموالها السري.
بمجرد وصول الفتاتين مع والدتهما ستنقلب حياة سعاد رأساً على عقب، ويدخل البيت الهادئ حالة من الفوضى العارمة والقمامة المنتشرة في أرجائه، وقد اعتادت الابنة الكبرى على جمعها أثناء نزهتها اليومية، بينما دأبت ليلى الصغرى الوسوسة في صدر الأم بالبقاء الدائم في المنزل، تتطور الأحداث وتتفاقم الأمور ما تدفع بالسيدة التي اعتادت الحياة الهادئة بالطلب إلى سامية إعادة الفتاتين من حيث أتت بهما، لكن عوامل الشر كانت قد فعلت فعلها لدى الصديقة الضيفة التي بدأت إعداد خططها للتخلص من سعاد والاستيلاء على البيت والأملاك “إذ أن غياب سيدة عجوز وحيدة لن يثير ريبة أحد”.
حين يعود عماد بعد حين وقد خسر مالديه وبات ملاحقاً من الشرطة، سيكتشف  ورئيس الخدم شيئاً فشيئاً أن جريمة ما حدثت في المنزل تقف خلفها زوجة أبيه؛ اختفت جرّاءها سعاد فكان التنور مأواها الأخير، وباتت سامية الآمر الناهي وصاحبة الأموال، وللحظات يخيّل لنا نحن الحضور أن ما حدث ربما أعاد إحياء ضمير عماد، ليتضح أن لا حياة لمن تنادي إذ أنه كان يرسم للحصول على نصيبه من الغنائم، مستشهداً بآية قرآنية اجتهد في تفسيرها بما يلائم مصلحته في انتقالة مباشرة وسريعة لإسقاط مايحدث على الخشبة ليكون مرآة الحدث السوري الحالي، عبر الإشارة المواربة أو المباشرة، بينما لم يكن عسيراً على الجمهور المتابع أنها تجسد الفكرة التي تدور في عقول  الكثير من السوريين في أن طيبة وكرم ضيافتهم فتح الباب على مصراعيه لضيوف أغلبهم انتهازيين، تمادوا في وقاحتهم في محاولة وضع اليد على وطن لا حق لهم به عبر الحيلة والسرقة والقتل.

النص والأداء
نص نبيل أعده الكاتب المسرحي جوان جان، الذي اعتدناه في جلّ أعماله مقارباً للواقع اليومي وتفاصيل حياة السوريين بكل نبلٍ وكبر؛ بعيداً عن الابتذال والخفة، عمل تعرّض لظلم في المعالجة والإخراج، الذي حافظ على أجواء المسرحية التقليدي بنصها الأصلي، إذ بدا الديكور الكلاسيكي برغم إشارته الواضحة على ثراء أصحاب البيت إلا أنه كان ثقيلاُ طاغياً على المسرح الصغير، وبينما أتى اختيار الصديقتين موفقاً وسوية أداء جيدة إلا أن فارقاً عمرياً بينهما لحظه الجميع بين صديقتين ارتادتا الجامعة في وقت واحد، وبينما أتى أداء سمير رئيس الخدم هادئاً كان التهريج والصراخ طاغياً على أداء عماد “مخرج العمل، والفتاتين” الذي كان غالباً السبب في حضور كبير وملحوظ من الجيل الصغير، أداء غلبت عليه السطحية، بينما كان الأجدى العمل على إظهار ما يعتمل النفس البشرية من عوامل وأهواء متناقضة  تدفعه لارتكاب جريمة كالتي حدثت، من خلال معالجة هادئة أعمق وأغنى.
كان “التنور” لرمزيته يبدو اسماً ملائماً أيضاً للمسرحية التي اقتبسها الكاتب المسرحي جوان جان بعنوان “الضيوف” والتي أخذها عن مسرحية سيدات متقاعدات للبريطانيين إدوارد بيرس وريجينالد دينهامم وهي من كلاسيكيات الأدب الانكليزي التي تم إنتاجها في العام 1940 وقدمت على مسرح هنري ميللر، بينما تم تحويلها إلى فيلم في العام 1941.

بشرى الحكيم