ثقافة

“السنة الأكثر عنفاُ” .. تأثير الاقتصاد في السياسة عبر قصة رجل أعمال

يستمد فيلم”السنة الأكثر عنفاً” الذي عُرض ضمن عروض مهرجان أفلام حديثة جداً في الأوبرا فكرته من محاور أساسية تتعلق بالاقتصاد وتأثيره بالسياسة، وإلى أيّ مدى يؤثر الاقتصادي بالسياسة ؟ وما مدى خطورة الاتهامات التي توجه للاقتصادي الشريف؟.. لنصل في نهاية الفيلم إلى الرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي ريغان عام 1981 مع الجمهوريين والمتضمنة ضرورة ضغط النفقات للحفاظ على الاقتصاد الأمريكي.
وتمضي أحداث هذا الفيلم الذي جاء بتوقيع المخرج جي سي شاندور الذي كتب السيناريو أيضاً خلال السنة ذاتها1981، والتي صُنفت بالسنة الأكثر عنفاً في تاريخ أمريكا لتعرضها لكثير من الجرائم الفردية طالت الأبرياء، وأصابت رجال الشرطة البيض والزنوج إضافة إلى السرقات من قبل مجهولين، وانتشار الفساد الذي طال كثيراً من مفاصلها. لكن هذه الأحداث بقيت ضمن سياق المضمون العام في الفيلم لتلوح في الأفق من خلال نشرة الأخبار أو التحاور بين الأشخاص، ليتم التركيز على المحور الأساسي للفيلم وهو تعرض رجل الأعمال الشهير المهاجر إلى أمريكا آبيل مورلز الذي يعيش استقراراً أسرياً لسرقة شاحناته ومخازن الوقود لديه وإطلاق النار على سائقيه، لنراه يحارب الأشخاص الذين يسرقون الأبرياء ويدفع موظفيه بكثير من الثقة للاستمرار ومواجهة الواقع.
وعبْر تداعي الأحداث يتطرق المخرج إلى البعد الاجتماعي منوّهاّ إلى الضغط النفسي الذي يعيشه بعض الشباب في أمريكا مما يؤدي إلى الانتحار، وهذا ما رأيناه في مشهد النهاية المروّع.
المكان الكئيب
ومن يحضر الفيلم يصاب للوهلة الأولى بخيبة أمل إذ يوحي عنوان الفيلم بالأكشن والإثارة والجريمة، في حين اتصف برتابة الأحداث وحركة الكاميرا البطيئة والأداء الهادئ للبطل آبيل مورلز الذي جسد دوره الممثل الكوبي أوسكار إيزاك إلى درجة ما يسمى بالبرود القاتل، في سياق إخراجي يأتي وفق لغة سينمائية واقعية بحتة عكس بقية الأفلام العالمية التي رُشحت للأوسكار، والتي تتصف بتداخل الخطوط الدرامية والاستفادة من تقنيات السينما الباهرة. الأمر اللافت في الفيلم هو المكان الكئيب في نيويورك –منهاتن –في منطقة صناعية وقد صوّرت الكاميرا الجانب الآخر من هذه المدينة منازل السائقين في الأحياء القديمة ومكان محطة الوقود والحانة القديمة وأسواق المدينة، ليشغل المنزل الكبير لآبيل حيزاً في الفيلم، ويبقى للنفق دور في كشف هوية أحد السائقين والمطاردة العنيفة بين آرييل وأحد السارقين.
يبدو ذكاء المخرج واضحاً في إضفاء أجواء رومانسية على الصورة العامة الكئيبة التي زادت الأشجار العارية من كآبتها، بالتركيز على الفضاء الثلجي في الأرض الذي رافق أحداث الفيلم، أقحمها بومضات إخراجية رومانسية لانهمار حبات الثلج على الطرقات العامة وتصويرها من زجاج النافذة، واعتماده على إضاءة خافتة في المشاهد الليلية،ليستعيض عن غياب الموسيقا التصويرية في مشاهد متعددة رغم أن الممثل أوسكار موسيقي، كما أنه تعمد إثارة رعب المشاهد في لحظات كمشهد اصطدام سيارة آريل ليلاً بغزال شارد، ولحظات اقتحام منزله ليلاً من قبل أحد اللصوص.
سينما شخصية
تدور الأحداث الفعلية للفيلم حول الحدث الأبرز في حياة آربيل المهنية في هذه السنة كجزء من كل، حينما تعرض لسرقات بعض شاحناته، وإطلاق النار على سائقيه وتعرض منزله لاقتحام من قبل أحد اللصوص، وخوف زوجته التي هي شريكته على بناتهما الثلاث، في الوقت الذي يسعى فيه لشراء محطة الوقود الرئيسية ذات الموقع الاستراتيجي الواقعة على النهر القريبة من مخازن الوقود. فينضوي الفيلم ضمن ما يسمى بالسياق العام “بسينما شخصية” تعبّر عن حالة فردية بتوثيق مفهوم هذا الرجل للعنف والسرقة والسيطرة على أعصابه في أصعب الأوقات.
ذروة الحدث هي تأمين المبلغ المتفق عليه لشراء المحطة فبعد أن دفع 40% منه يطلب قرضاً من البنك لبقية المبلغ ولكن المفاجأة كانت برفض البنك لإثارة تهم وجهها له المدعي العام في المدينة، وطالت سمعته المهنية رغم أنه رجل شريف، مثل التهرب من الضرائب وتسليح سائقيه فيرفض البنك، لكن لم يثبت شيء ضد آربيل إلا أنه لم يستطع إقناع البنك بالموافقة على القرض، لتبدأ رحلة آربيل بتأمين المبلغ من جهات متعددة.كرهن منزل أخيه الصغير والاستدانة من إحدى الشركات المنافسة مقابل شروط، لكن مفاجأة المخرج كانت باعتراف زوجته بأنها تملك حساباً خاصاً بالبنك ادخرته من أموال شركتهما واحتفظت به، لأنها تعلم شغف آبيل بالمغامرة المهنية.
مطاردة في النفق
تتقاطع هذه الأحداث مع المطاردة العنيفة الثنائية التي حدثت في النفق بين آبيل وأحد سائقي الشاحنة الذي يتابعه عبْر التواصل باللاسلكي، لتمضي الأحداث بمشهد طويل وبلقطة متوافقة مع حركة المطاردة التي تبدأ من النفق لتصل إلى الحقول المؤدية إلى داخل المدينة إلى السوق إلى داخل الميترو، لتنتهي في رصيف المحطة بعنف حينما يضع آبيل المسدس على عينه لكنه يتراجع عن قتله.
المشهد الأخير حمل ازدواجية سينمائية تعبّر عن نجاح آبيل وتحقيق ما يريده بالحصول على محطة الوقود لتشغل مياه النهر الصفراء مساحة طفيفة من المشهد، وكشفه هوية السارقين تتقابل نظرات الحبّ والفرح مع إحضار الشرطة السائق الهارب الذي حاول المواجهة الخطرة بمفرده وأطلق النار، فينتهر بلحظة ضعف لنسمع صوت دمائه المتدفقة على الفضاء الثلجي.
ملده شويكاني