“فــي الأصوليـّــةِ الإسلاميـّــة” (بحث في التـّشنـّج المبتدع باسم الإسلام)
هيلاري كلنتون اعترفت أن أمريكا وراء إنشاء داعش, قبلَها جورج بوش الأب استقبل قيادات القاعدة وأشاد بهم كأصدقاء مخلصين, وزير خارجية فرنسيٍّ أسبق صرّح أن اجتماعاً تم في عام 2008 بهدف تهريب السّلاح لجماعاتٍ في سورية, نعوم تشومسكي يؤكد أنّ أمريكا هي التي تصنع المجموعات الإرهابية..الدّلائل كثيرةٌ على استثمار الغرب للتطرّف الإسلامي, هم درسوا تفاصيل الدين والمجتمع وانسلّوا ليسيطروا, ولكن: ما أصل الأصوليـّة؟ ولم سمـّيت بهذا الاسم؟ ما غرض نشوئها وما غرض استمراريتها؟ وهل الذين يستثمرون الأصوليـّةَ اليوم هم أنفسهم من أنشؤوها في الأمس؟ القضيـّة الكبرى في الدّين الإسلامي – كما في غيره عموماً – أنّ الذين لووا عنق النصوص ومارسوا الإرهاب الفكريَّ خدمة للسّلطةِ واكتساباً لمصالحهم الشخصية بطبيعةِ الحال, اكتسبوا طابع القدسيّة, بحيث صار من المتعذّر فضح ما قاموا به من تشويه, فالكثيرون سينظرون إلى التّحليل العقلاني على أنـّه كفرٌ, ومسٌّ بالمقدّسات,فعمليّة الخلط بين “المقدّس” و”المتجلببِ بـالقداسة” أمر صنع أزمةً اعتقاديّة, أخلاقية, إنسانيّة, وبالتالي..وطنيّةً, يأتي كتاب (في الأصوليّة الإسلاميّة) للباحث المهندس عاطف عبـّاس حسن, ليقدّم حالة نقديّة تكشف وتفضح مآسي فكريةً في معتقدنا وتاريخنا, هذه المآسي الفكريّة صنعت مآسٍ إنسانية شتّى عبر تاريخنا, والبحث هو محاولةٌ لمعاينة الأصوليّة نشأتها, وتحوّلاتِها حسبما عنونَ الباحث الذي يرى أنّ – القويَّ – الحاكمَ – وأدَ صورةَ الإسلام كروحٍ باحثةٍ في العقول والقلوب عن الغرائز الإنسانية الأصيلة وعن النـّزعات الأخلاقيّة, وتشذيبها وتهذيبها وتطويرها, لصالحِ أن يكون الإسلامُ سيفاً على رقاب مَن يعصي أمر الحاكم, السّلطان العثمانيُّ كان يقتل كلّ من يعارضه بتهمة (كافر)فالسّلطان العثماني يريد شعباً من الجهلةِ العبيد, نقرأ في الصفحة 127 (إنّ المسلمين لم يترجموا خلال قرون من العهد العثماني إلاّ كتاباً واحداً في الطبِّ بغيةَ شفاء السّلطان من أحد الأمراض الجنسيّة) نشير هنا إلى لفظة (عهد عثماني) ونؤكد على ضرورة عدم إهمال كلمة احتلال.
إذاً العرب الذين كانوا الأكثر ترجمةً في زمن ما – ولو كان قصيراً – تردّى وضعهم الثقافي إلى الحضيض بفعل الاحتلال المرتكز على عاطفة دينية غير سوية, يرى الباحث أنّ طبيعة البدويّ المائلة للثبات وعدم التّجديد لها الأثر في الأصوليّة يقول (التـّطوّر والارتقاء ليسا من الشّرائع التي يدين بها البدويّ – الأعرابيّ) فإن كنّا لا ننكر أثر الانغلاق الاجتماعي في انتشار التشنج – دينياً كان أم غير دينيٍ – نرى أنّ هذا لا ينفي أنّ نشوء التشنّج – المسمّى أصوليةً – إنّما تمّ في العهود التّالية للفتوحات، وعلى يد شخصيّاتٍ غير عربية وغير بدويّةٍ غالباً, فالأمر لا يتوقف على (محمّد بن عبد الوهّاب الذي يصفه الباحثُ بالبدويِّ النـّجديِّ رغم أن عدداً من بالباحثين يؤكدون أصله التركيُّ, وهنا نذكر أن أغلب يهود تركيا أصلهم أسبان, فهل قدوم محمد عبد الوهّاب هو بمثابة انتقامٍ إسبانيٍّ؟ يرى الباحث أن الإسكندر المقدونيُّ حاول إيجاد عالمٍ موحّدٍ ثقافياً, وأرى أنّ هذا التّوصيفَ لا يخلو من مبالغةٍ, فالإسكندر قائدٌ مظفّرٌ فتح البلدان بالسيف والرّمح وكان هدفه الأكبر هزيمة الفرس –انتقاماً – وما كان حمله الثقافيُّ إلا من طبيعة الحال, يشير الباحث إلى فضل الحضارات القديمة في الشام ومصر والعراق، ويرمّز لهذه البقعة الجغرافية الذهبيّة بـ (مشع) وهذا جدير بالانتباه إليه,هناك إشارة إلى قوانين حمورابي وما فيها من رقيٍّ حضاري، وكان لابد أيضاً من ذكر أن اللغة التي طالما تباهى بها عرب الجزيرة أتت إليهم لفظاً وتدويناً من العراق, وأيضاً أخذت قواعدها الأولى في مدارس الكوفيين والبصريين,يرى الباحث في الصّفحة 27 أنَّ النبيَّ محمداً جاء بدين جديدٍ تتناقضُ جلُّ قواعده مع المرجعيّات الفكريّة السّائدة, وأرى أنّ هذه الفكرة تمّ التّرويجُ لها كثيراً رغم أنّ معظم التعليماتِ والطقوسَ وغيرها ليست جديدةً, يقول الكاتب في الصفحة 24 (يتبين أنّ قوةً عليا أرادت لهذا الدّين أن يقوى وينتشر) ولا خلاف أنّ القوّة العليا تنفُذُ إرادتُها في كلِّ شيء, لكن هذا لا ينفي أنّ انتشار الإسلام له أسبابه الموضوعيّةِ, يذكر الباحث أثر صراع القيسيين واليمانيين في نجاحِ ثورةِ أبي مسلم الخراساني، ولم يركّز على الصّراع بين بني هاشم وأبناء عمومتهم بني أميّة, والذي كان له أكبر الأثر في الصراعات الإسلامية ونشوء التشدّد, وقد عبّر الوليد بن عبد الملك عن ذلك بقوله
“ذهبت هاشمُ بالملكِ فلا خبر جاء ولا وحيٌ نزلْ”.
في الصفحة 123توصيف أصل البلاء في تشوّه الدّين (كان نظام الملك ينفق 300000دينار على أرباب المدارس, عندما سأله الملك شاه عن ذلك قال له:أنا أجيّشُ لك بهذا المال جيشاً تصل من الدّعاء سهامه إلى العرض, ولا يحجبها شيءٌ عن الله تعالى..) هو ذات الأسلوب الذي اتّبعته المخابرات البريطانيّة ومن ثمَّ الأمريكيّة, وكلّه على يد بني سعود. إذاً اللّباس الدّيني مضلّلٌ إلى درجة أنّ إبليس يمكن أن يرشد النّاس بمجرّدِ ارتدائهِ.
(في الأصوليّة الإسلاميّةِ) بحثٌ علميٌ مهم في نشوء التّشدّد والتّشنّج في الدّين الإسلاميِّ بأسلوبٍ تحليليٍّ سلس.
قيس حسين