ثقافة

معرض “الحروفية”.. فلسفة خاصة على مستوى المعنى الجمالي والدلالي

معرض في اتجاه واحد يقدم فيه أجيال متقاربة عالمهم الحروفي بتجلياته ومناخاته، يبدأ من مدلولها الأدبي والغنائي عند الفنان محمد غنوم، وصولاً إلى توظيف حركة الحرف والمشهد الديكوراتيف عند الفنان بشير بشير، إلى عالم من التقشف والصوفية والاحترافية عند الفنان وليد الآغا الذي استخدم شاشة الحرير والطباعة، وحركة الكتابة في النوتة الموسيقية عند الفنان نذير نصر الله، هذا العمل شكل جملة إيقاعات مختلفة ومتناغمة تنشد نشيداً واحداً فضاؤه الخط العربي في المعرض الذي افتتح في صالة الشعب بحضور وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد الذي أكد للبعث: أن أهمية اللوحة تكمن في قراءتها قراءة كاملة، وفي هذا المعرض وفي لوحات محمد غنوم نرى شكل العمارة أو البناء الذي يشكل كلمة دمشق أو الوطن، وهذا المحتوى يأخذ أشكالاً جديدة مع الحفاظ على الهوية، وهذه هي أهمية الفنانين، وينطبق هذا الكلام على لوحات نذير نصر الله، وسرني في هذا المعرض وحدة الانتماء للون والمكان ولسورية، واللوحات هي ذاكرة للمقبل من الأيام تحكي عن ما مررنا به من هواجس وذكريات وأحلام وجميعها تجمع بين الوطن وحبه.
كنوز الخط
لولا الفن لما عرفنا شيئاً عن الشعوب، نحن نعيش في أزمة أصابتنا في الصميم، ورغم محاولة تعميم القبح لازلنا قادرين على صنع الجمال كل يوم، وهذا المعرض هو محاولة لذلك، فيقول الفنان محمد غنوم عن تجربته في المعرض:
كل الشعوب تعتز بخطوطها، ولكن ما يكمن في الخط العربي هو العمق، والخاصية التي تفتقدها خطوط العالم فهو فن مقدس لأن القرآن الكريم مكتوب به. في الواقع، أنا أحاول دائماً البحث في كنوز الخط العربي والتقرب منها واكتشافها بكل ما أمكن، ففي الحرف العربي إمكانات لا محدودة تكمن في الحركة الديناميكية التي تشكل الموسيقى الأساسية في الخط، وأنا اعتمد على الجوهر، وتجربتي قائمة على فكرة الموسيقى الكامنة التي من الممكن أن تخبئ للمستقبل مفاجآت واكتشافات.
ويضيف غنوم: يعتبر الحرف العربي موضوعاً هاماً في التشكيل، وقد شاركت في المعرض بـ10 لوحات، رسمتهم في ظل الأزمة، وهي مواضيع معروفة عن “الوطن، دمشق، كلمة الله”، واعتبرها هاجسي وهذا الاختيار رافقني منذ أكثر من 40 عاماً.
روح جديدة
ورسالة الفنان في أي معرض يقام هي دليل أنه موجود وثابت في هذا البلد، وقادر على استيعاب الطاقات الأخرى وضمها وعمل شيء جميل، وعن مشاركته يتحدث الفنان بشير بشير قائلاً:
حاولنا كمجموعة عمل شيء خاص بنا، وتقديم روح جديدة، عن طريق عدة لوحات تعبر عن تجربة كل فنان ضمن معرض جماعي مكون من أربع تجارب في  الحروفية، وعن مرحلة التطور في الإبداع والأعمال، وفي ذات الوقت يجب على الصالات أن تكون مشغولة دائماً ومليئة بالحركة في هذه الظروف.
ويتابع بشير: اعتمدت في لوحاتي هذه على أسلوبي القديم، ولكن بنمط جديد فقد حاولت أن أختزل الخط، وأدخل عامل التجريد والحس التصويري أكثر في اللوحة الفنية، وهو نوع من التطوير لأن لوحاتي فيها زخم باللون والخط، لذلك قررت إراحة الرؤية البصرية.
الغرافيك والبحث التقني
بدوره استخدم الفنان وليد الآغا مزيجاً من الألوان غير مألوف، عبّر فيه عن هاجسه الداخلي، وحبه لكل البيئات الموجودة في سورية التي عاش في أغلبها، فنرى في لوحاته لون التراب والسماء وألوان الجبل والصحراء بكل تفاصيلها، يقول الآغا:
شاركت في المعرض بأسلوب ومفردات تشكيلية جديدة، وهي امتداد لتجارب أخرى منذ السبعينيات مع التطوير المستمر، وأنا ما زلت أعمل وأجرب، فالفنان الذي يقف عن التجربة أو عند رؤية معينة يتقلص، وأنا بحكم التقنية التي أعمل عليها، وتعتبر جزءاً من رغيفي اليومي هي الشاشة الحريرية، حيث أصبح لدي هاجس البحث التقني والغرافيكي، فالغرافيك مادة فنية بصرية غنية جداً، ولوحاتي في المعرض نتيجة الأزمة، وأنا أصر على أنها جعلتني أعمل بكثافة، وبفضل البحث التقني كانت لغتي معاصرة في اللوحة أكثر، وعملت على الحوار ما بين الحرف والرموز السورية الموجودة في التاريخ بتقنيات الغرافيك المتعددة، حتى شكلت ألفة بين الحروف، وبالتالي أصبح التكوين والمعالجة واللون هم المعاصرة التي أعمل عليها، وأقوم بتأمين فسحة صغيرة ضمن عجالة نعيشها تؤثر علينا، لكن الفنان السوري موجود دائماً بعطاءاته وجديته وبحثه الدائم.
لنا كلمة
جاء هذا المعرض من جملة معارض تشكيلية يقيمها اتحاد الفنانين التشكيليين تأكيدا من الفنانين على دورهم في تعزيز لغة الجمال، والبحث في التراث والموروث السوري الذي يؤكد حضارة إنسان هذه البلاد، ومساهمته في الثقافة الإنسانية الكبيرة التي تتعرض الآن لهجمة الإرهاب التي طالت آثارها بفعل القتل وإلغاء الحياة.
جُمان بركات