ثقافةصحيفة البعث

مشروع تخرّج قسم الرقص.. “حياد إجباري” و”ميول”

 

كعادته في كل عام يستعد قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية لتقديم مشروع تخرّج طلاب السنة الرابعة: أنجيلا الدبس تحت عنوان “حياد إجباري” ومعتصم الجرماني تحت عنوان “ميول” وذلك أيام السبت والأحد والاثنين على مسرح سعد الله ونوس، وبيَّن الأستاذ معتز ملاطيه لي المشرف على مشروع الطالبين أنه ينفَّذ ضمن مادة المختبر وفق فرضية يضعها المشرف عادةً ليعبّر عنها صاحب المشروع تصميماً حركياً وعلى صعيد المضمون، وأشار إلى أن فرضية هذا العام كانت عن ثلاثية الولادة والحياة والموت، وكان على الطالبين الدبس وجرماني اختيار عمل فني: تشكيلي، سينمائي.. الخ ليقتبسوا منه موضوعاً للفرضية.
ويبيّن ملاطيه لي أن قسم الرقص يحرص على تقديم فرضيات تحث أصحاب المشاريع على البحث والتفكير والقراءة والتحليل، وأوضح أن الموضوع المختار هو الذي يحدد أنواع الرقص الذي يعتمده أصحاب المشاريع للتعبير عما يريدون إيصاله، إلا أن غالبية الطلاب يقدمون موضوعاتهم بتقنيات الرقص المعاصر لأنه يمنح الراقص حرية مطلقة بالتعامل مع الجسد، وأكد ملاطيه لي أن دوره كمشرف لا يعطيه الحق بفرض رأيه على أصحاب المشاريع، وهو يكتفي بالمراقبة لحالة البناء التي يقومون بها، لتفادي بعض الأخطاء والتأكيد على الخطوات الصحيحة، مع إشارته إلى أن الطالب يمتلك طاقة كبيرة يستخدمها أثناء التحضير لمشروعه ليكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن كل اختياراته لمشروعه ومن كل الجوانب الفنية. وأشار إلى أن مشروع التخرج تجربة مهمة يخوضها الطالب ليعبّر فيها عن كل ما تعلمه أثناء دراسته ويكون مسؤولاً عن كل ما يقدمه مسؤولية كاملة، وهذا ما يجعله يجتهد لتقديم ما هو مميز، وهو خطوة ضرورية له لأنه يمنحه الثقة بنفسه وبإمكانياته وقدرته على إنجاز عمل كامل، خاصة وأن المشروع يضع المتخرج ضمن ظرف صعب للغاية يحرص الطالب فيه على أن يبدع، وهو الوسيلة الأفضل ليثبت الطالب أن لديه قدرة على الإبداع والخروج بنتيجة مرضية. من هنا يجد الطالب نفسه وجهاً لوجه أمام تجربة جديدة تتطلب الاجتهاد والتحدي، خاصة وأن مشاريع التخرج ومنذ سنوات طويلة تقدَّم بحضور الجمهور رغبةً من إدارة المعهد العالي للفنون المسرحية وقسم الرقص بتعويد الطالب على مواجهة الجمهور الذي يضم شرائح ومستويات مختلفة ليكون هذا المشروع اللقاء الأول بين الطالب والجمهور العريض، وهذا أمر مهم له، حيث يتلقى التقدير الأولي على تعبه وسنوات دراسته الطويلة، كما يتلقى ردود الأفعال المختلفة وتقييم ما أنجزه بعيداً عن تقييم الزملاء والأساتذة.
وبيّن ملاطيه لي أن خريجي قسم الرقص مرحَّب بهم على الدوام بعد التخرج، وعدد كبير منهم يعود مباشرة للتدريس فيه نظراً للحاجة الماسّة لهم في ظل هجرة عدد كبير من شبابنا، كما يقوم القسم بالاستعانة بهم للمشاركة في عروضه والتدريس في مدرسة الباليه.

حياد إجباري
أنجيلا الدبس تستعد لتقديم مشروع تخرجها تحت عنوان “حياد إجباري” المقتبَس عن المومياءات التي صنعها شعب الشاشابوياس الذي عاش في منطقة الأمازون شمال البيرو ويقدّر عمرها بـ 2700 عام قبل الميلاد، وبيّنت أنها اختارت هذا العمل لكمية الإيحاء الموجود لدى هذه المومياءات، فإذا أمعنّا النظر بهم سنرى أشخاصاً محنطين بطريقة غير مألوفة، حيث نجد هياكل عظمية وكأنها تتكلم وتنطق وتشعر كإنسان بكامل حواسه وأعضائه، لكنه متحجّر من الداخل وفقد الرغبة بالحياة: “كلنا تحجرنا وتعفّنا من الداخل، لكننا بالمظهر الخارجي نبدو أشخاصاً متكاملين” وأشارت إلى أن مشروع التخرج تجربة مهمة في حياتها لتقدم من خلالها خلاصة ما تعلمته في سنوات الدراسة الأربع في القسم، خاصة وأن كل ذلك يقدَّم من خلال عرض لا يتجاوز 25 دقيقة، موضحة أن المشروع هو تجربة التصميم الأولى والحقيقية للطلاب.. من هنا حاولت واجتهدت حتى لا تقصر بحق نفسها بتصميم عرض راقص دون الاستعانة بأي نموذج مصمَّم معتمدة على ما تعلمته لتقديم بنية عرض يخصها ووفق منظورها الخاص للأشياء وللفرضية التي حددها المشرف، وهذا برأيها أمر غاية في الأهمية لأن مشروع التخرج يجب أن يتحدث عن وجهة نظر شخصية اتجاه الأشياء، لذلك فإن تحديد الفكرة ومن ثم الهدف منها هو الخطوة الأولى لفعل ذلك، ومن ثم تأتي مرحلة اختيار الراقصين المناسبين للتعبير عن ذلك والذين يتوافقون بشكل أو بآخر مع ما تطرحه من أفكار، ونوهت إلى أنها اختارت راقصات تثق بهنّ كثيراً وبحضورهن على المسرح ليكن شريكات حقيقيات في مشروعها، وهن بالإضافة لها: لارا بخصار-رند شهدا-سارة المنعم، وأوضحت أن نقاشاً وحواراً طويلاً دار بينهن، آخذة بعين الاعتبار وجهات نظرهن لأهميتها ولأنهن جزء مهم من المشروع، وبالتالي يجب عدم تجاوزهن لتكون قادرة على التعبير عن أفكارها بشكل واضح ومقنع عبر أسلوب حركي يميزها عن سواها.
أما بالنسبة للمشرف معتز ملاطيه لي فتشير أنجيلا الدبس إلى أهمية وجوده كمشجع على العمل والإنجاز، وهو عين خارجية مراقبة ومصححة للأخطاء التي قد يقع بها الطالب أثناء تنفيذه للفكرة المطلوبة، كما ترى الدبس أن اختيارها لأي موضوع مهما بَعُد عن الحرب فستبقى موجودة بكل تفصيلة من تفاصيلها.. من هنا هي ترفض التعبير عن الحرب بشكل مباشر لأن الحرب لم تعد تجربة شخصية تخصها وحدها وإنما هي تجربة خاضها الجميع وهي مقتنعة أن الجمهور يحاول تجاوزها، ونوهت إلى أن الوقوف أمام الجمهور كمصممة وراقصة تحدٍّ كبير إلا أنه أمر ضروري لمخاطبة جمهور عريض بعيداً عما تقدمه عادةً أمام زملائها وأساتذتها، وهي بذلك تتعرف على ردود فعل وتقييمات مختلفة عما هو أكاديمي، وأشارت إلى أن عروض الرقص ليس من السهل فهمها من قبل الجمهور العادي إلا إذا كان العرض مباشراً، وأن خروج الجمهور بفكرة واحدة عن العرض أمر غير مستحب بالنسبة لها لأن العرض الناجح برأيها هو الذي يترك تأثيره على الجمهور الذي يضم أفراداً مختلفي التجارب والمستويات ووجهات النظر كما يترك تساؤلات عديدة عنه.
وتوجهت الدبس بالشكر للمؤلف الموسيقي محمود محمد الذي ألف موسيقا خصيصاً للمشروع الذي كان جزء أساسيا من المشروع وقد تابع بناءه خطوة خطوة من لحظة البناء حتى النهاية.

ميول
ويعترف معتصم الجرماني أن أكثر الصعوبات التي واجهته أثناء تنفيذ مشروعه كان تحويل تساؤلاته لإحساس بدايةً ومن ثم لحركة، وإيصال هذا الإحساس للراقصين المرافقين له عبر هذه التساؤلات، ويعترف أن ما سيقدمه سوف يُفهم بأكثر من منحى من قِبل الجمهور المختلف والمتنوع السويات والثقافات، وبالتالي فإن رسالته ليس من الضروري أن تصل للجميع كما يريدها هو بشكل حرفيّ ولكن كل ما يهمه أن تصل الفكرة الأساسية، وبيّن أن تقديم المشروع أمام الجمهور تحدٍّ كبير وتجربة من الضروري خوضها، وهو امتحان حقيقي إلا أنه سعيد بوجود الجمهور، لأنه متأكد من أنه سيمد المشاركين في المشروع وسيمده هو تحديداً بالطاقة والتشجيع.. وعن سبب ابتعاده عن الحرب في موضوع مشروعه يشير إلى أن الحرب كانت وما زالت محور حديث العالم وهو اليوم أراد أن يضعها خلفه لتجاوزها، وهو الذي عاشها بكل تفاصيلها وقد أمضى أياماً صعبة خلالها كغيره من السوريين، ولذلك يؤكد أن الحرب لم يعشها لوحده بل عاشها الجميع وعانى منها، موضحاً أن وجوده في المعهد واطلاعه على المشاريع المنجَزة جعله يستفيد منها من خلال الوقوف عند الثغرات التي وقع بها البعض والتي سيحاول تفاديها في مشروعه بالاستفادة من كل الأخطاء السابقة وتجنّب الوقوع فيها، وأوضح أن تصميمه يرتكز في مضمونه على قصص عاشها، وعلى أساسها قام بالتصميم الحركي لها، والفرضية في مشروعه يمكن تلخيصها بدورة الحياة الطبيعية: “الولادة-الحياة-الموت” هذه الدورة يمكن تعميمها على كل ما هو ملموس ومحسوس حولنا، وحتى على الخاطرة التي ترد إلى أذهاننا لثوانٍ عابرة، ونوه إلى أنه اقتبس فكرة عرضه التي سيعبِّر عنها -بالإضافة له- الراقصون حازم الجبة-سماح غانم-صبا رعد تحت عنوان “ميول” من منحوتة للفنان زيوس فرودكيس تدور حول الكفاح لتحقيق الحرية والتحرر من خلال العملية الإبداعية، لتدور فكرة جرماني في العرض حول أننا كلنا نولد في مكان لا نختاره ولا نستطيع أن نحدد عرقنا أو لوننا أو ديننا، وهذا كله يحدث من دون أن يسألنا أحد ماذا نحب أو أين نحب أو نريد أن نكون، جميعنا يعيش ويتأقلم ويحاول الاختلاط بالمجتمع والناس، ولكن بالرغم من ذلك لا أحد يفكر بأن يسألنا ماذا نريد: المجتمع، العرق، الدين، اللون، الشكل، الجنس.. ولا يجوز بالرغم من كل هذا أن نكون مختلفين أو نحاول البحث عن الاختلاف، بل يجب أن نتأقلم ونسير ونتقولب فقط في الرغبة، الحب، الميول.
أمينة عباس