ثقافةصحيفة البعث

“عرب أمريكا” السرد الحكائي لمواجهة الحرب الإرهابية على سورية

 

“من الآن فصاعداً لن أبقى صامدة أعرف أنني أحتاج إلى قوة هرقلية كي أدفع بعض الأقدار المتيبسة وأحركها بعد طول سبات” هكذا أعلنت الروائية كلاديس مطر في روايتها”عرب أمريكا” الصادرة عن دار عقل أنها تتدخل بمصائر شخوصها وتغيّر أقدارهم، فالحبّ وحده لايكفي لقلب الموازين، وإنما يحتاج إلى قرار جريء لتغيير القدر، من هنا انطلقت الكاتبة والروائية عبير القتال في قراءتها للرواية وتحليلها لها، لتصل إلى أن سورية لم تنتصر فقط بدافع الحبّ وإنما باتخاذ القرار لتغيير عجلة الحرب ومواجهة الإرهاب، وذلك في الأمسية التي أُقيمت في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وحظيت بتقديم ومشاركة الأديب أيمن الحسن الذي لم يكن مع كسر الإيهام الذي اعتمدت عليه الروائية مطر في السرد الحكائي وتداخل عتبات السرد وتصاعد الأحداث، لهذه الرواية التي عاصرت الحرب الإرهابية من لوس أنجلس من أمريكا التي دعمت الإرهاب، لنرى أنفسنا إزاء رواية حاكت سطورها من فضاءات الحرب والحبّ والمكان، ومن حيوات عرب يعيشون في أمريكا ولكن؟
الرواية التي وصفتها القتال بأنها تستحق الاحترام كانت موضع خلاف من منحى آخر، إذ كان من المقرر أن يشارك بتقديم القراءة د. عاطف بطرس والناقد عماد فياض، لكنهما لعدم حصولهما على الرواية لم يستطيعا المشاركة بالأمسية، والسبب يعود إلى عدم تعاون دار النشر دار عقل معهما بتقديم الرواية التي يبلغ سعرها ألفاً وخمسمئة ليرة، مما يطرح تساؤلاً عن إشكالية العلاقة بين دور النشر والمراكز الثقافية والمحاضرين، أليس من الضروري أن تكون هناك آلية تعاون لاسيما أن العمل كله يخدم الثقافة ونشرها.

الفضاء المكاني والحرب
ثم بدأت الكاتبة بالحديث عن الرواية بفصولها الأربعة والثلاثين الغنية وذات الشخوص المتناقضة، والتي تثير إضافة إلى المعلومة الأسئلة الإشكالية المستفزة للقارئ، والمحرضة للبحث عن طريق الخلاص مستندة إلى تيمة الحب الذي وصفته بالحصن الذي يحفظنا من الهلاك. واعتمدت القتال في قراءتها على التعريف بشخوص الرواية وخلفياتهم لتكوّن ركيزة للمتلقي كي يدخل بفضاء الرواية فانطلقت من واقع الرواية من أبطالها العرب من دول مختلفة حطّت بهم الرحال في لوس أنجلوس، لتعود إلى نقطة البداية إلى الفضاء المكاني المحور الأساسي في الرواية من لوس أنجلس المكان الذي يخلو من العواطف، إلى سورية بكل جغرافيتها إلى تركيا التي تحضر كمكان مشارك بالحرب يستقبل ويدرب القادمين من دول العالم عرباً وأجانب للجهاد في سورية، إلى حيّ القيمرية الذي يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد فتعمقت بتاريخ القيمرية بفضاءاتها بالجامع الأموي، حيّ بطلة الرواية د. أميرة زين الدين الأستاذة الجامعية التي تراسل أحد مراكز الدراسات وتصلها الموافقة بعد أربع سنوات لتغادر سورية إلى هناك، فتصدم هناك بالعرب”لم يكن عرب أمريكا عند أول قدومي جزءاً من عالمي، كنت أتخيلهم وأنا في سورية كأناس تماهت ملامحهم بملامح البلد، وطاب لهم الهوى فيها، ولم تعد العودة تشكّل هاجساً محدداً لأي منهم، الأمر الذي كنتُ فيه على خطأ جسيم”.
وتنتقل الكاتبة إلى الشخوص الرئيسة ابتداء من فاضل الهاشمي رئيس المركز وهو ماركسي متدين يحلم بوطن على غرار أفكاره فيقع بالازدواجية، أمام الطبيب المصري والباحث، الأمريكي بالظاهر والشرقي المصري بالداخل، يصدم بواقع الحرية في أمريكا حينما يرى ابنته مع صديقها اليهودي دايف على علاقة حميمة فيقرر العودة إلى مصر.
سام موريس الذي غيّر اسمه بعد عام من قدومه إلى لوس أنجلس، سمير الحواشيه من مخيم عين الحلوة في لبنان الذي درس العلوم السياسية في دمشق، له ولدان عمر من زوجته الأردنية وولد من زوجته الأمريكية، وسيرتبط بالأحداث من خلال انخراط ابنه عمر بالمجموعات المتأسلمة الذي يسافر إلى تركيا ويتدرب باسطنبول على الجهاد، يتقاطع عمر في زاوية ما مع السيدة مرام القادمة من سورية المنشقة عن وطنها وعن عائلتها لتعيش الحرية التي تريدها، بينما تدخل الكاتبة بعالم الحرية السلوكية من خلال شخصية حمد الباحث المثلي الذي يحضر صديقه معه إلى المركز ويتباهى بعلاقته معه”لقد شعر المثليون أنه الوقت المناسب لكي يدمجوا حريتهم وحقوقهم بهذا السيل الهادر من الإشعارات”

لا تكونوا سكاكين
ومن خلال الشخوص تدخل القتال فضاءات الرواية ودوران عجلة الحرب في سورية كما تقول الروائية”في كل بقعة من سورية هناك صاروخ” لتتداخل مواقف أولئك تجاه الحرب، لتخلص الروائية إلى”إذا لم تستطيعوا العودة الآن فاحفظوا كرامة هذا الوطن، ولا تكونوا مثل السكاكين التي تنهش فيه” ولنقرأ عن ولادة يقظة تنتاب الشخوص فعمر كما ذكرت القتال يكتشف الحقيقة” الأحلام الجهادية بدأت تتساقط مثل ورق الخريف، وعرف عمر بأن عقيدته لاتواجه حرباً، وإنما تتآكل من الداخل بفعل التسمم الداخلي” فيتطلع إلى سلمى التي تزوجها زواج المجاهدين ويفكر بالعودة إلى أمريكا والسؤال الذي طرحته الرواية هل تقبله أمريكا وهو ابن لها؟ لتفجع مرام وهي المنشقة بقتل ابنها على يد المسلحين.
وتدخلنا مطر بعوالم الحبّ بعيداً عن الحرب حينما تقرر د. أميرة زين الدين بطلة الرواية الزواج من مارك عبد الله المسيحي لينتصر الحب على العادات والتقاليد، فالحب لايكفي وحده لقلب الموازين، لتعلن الروائية بأن أميرة تتزوج ليس لأجل الحب فقط وإنما لأجل الموقف الذي يغيّر الأقدار كما غيّر عجلة الحرب في سورية. وأنهت القتال قراءتها بأن الكاتبة متمكنة من أدواتها دقيقة بما يحدث على أرض سورية، وامتلكت القدرة على وصف الشخصيات الأمريكية والعرب الأمريكيين.

ترجمتها إلى الإنكليزية
وناقش الأديب أيمن الحسن فكرة إعلان الروائية الصريح بأكثر من موضع بالرواية بأنها تتدخل بمصير وتحركات شخوصها فوجد بأن هذا التدخل وتوجيه الشخصيات يخل باللعبة الروائية، متوقفاً عند تقاربها من مسرح بريخت بكسر الإيهام وكذلك بمسرحيات الأخوين رحباني، وفي جانب آخر طالب الحسن بأن تترجم الروائية روايتها إلى الإنكليزية لاسيما أنها مترجمة ليعرف العالم حقيقة ما نعيشه.

نظرة واقعية
وبيّن عبد الله راتب النفاخ بأن عنوان الرواية كان مغايراً لما تحمله الرواية الموحية بعوالم العرب هناك ومعاناتهم، إلا أن الأحداث تكشف عن الأفكار المتطرفة التي وجدت طريقها إلى هناك بل وجدت دعماً لها، ليصل إلى أن الرواية حملت نظرة واقعية لما يحدث. وأشارت بقية المداخلات إلى ضرورة التسلح بالانتماء والثوابت الوطنية كما فعلت أميرة التي استطاعت التحدي والمواجهة والتي عبّرت عن جزء من مكنونات شخصية الكاتبة الحقيقية.
ملده شويكاني