عصافير وجراثيم
بشرى الحكيم
“كل العصافير بحجر واحد” هي حصيلة سهرة تحييها مجموعة فنية “إسرائيلية” تؤدي خلالها أغاني كبار الفنانين العرب من بينهم أم كلثوم، إذ هم؛ أصحاب تراث وفولوكلور، اندماج مع المحيط، ترسيخ لعلاقات طبيعية مع الآخر، ورسالة سلام للعالم، جميعها في تسجيل مصوّر ينتشر كالبرق على مواقع التواصل؛ يشاركه الجميع بنوايا مختلفة فتأتي النتيجة مساهمة إضافية في نشر الرسالة المطلوبة لمجموعة تعمدت إظهار هويتها عبر قلنسوة صغيرة على الرأس.
وإسرائيل لا توفر مناسبة متاحة لتبدو رسول السلام والانفتاح على الآخر الذي هو أنت صاحب الحق والأرض، يندرج ضمن ذلك كل نشاط رياضي فني أو سياسي؛ يمكنها من الجمع بين مواطنيها وعرب؛ يقعون أحيانا في الفخ جهلاً حيناً، أو أن تجاهلاً فالمسألة بالنسبة لهم لا تحتمل أكثر من كونها مجرد صورة، أو مصافحة.
بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك، ففي العام 2012 صوّر المخرج اللبناني زياد دويري –صاحب “بيروت الغربية الذي وثق الحرب اللبنانية وكرّسه مخرجاً واعداً بين أبناء جيله- صور فيلمه “الصدمة” بإنتاج وممثلين إسرائيليين وبرعاية منها داخل الأرض المحتلة، المخرج وضع الفيلم حينها وإلى الآن في إطار خدمة القضية الفلسطينية من خلال “الاقتراب من بيئة الحدث”.
في حوار له مؤخراً مع جريدة النهار قال دويري ساخراً لمضيفه في معرض دفاعه عن الفيلم الذي قوبل حينها بسيل من الانتقادات لناحية المضمون والتعاون ومكان التصوير: “في كلّ المجتمعات، ثمة تيارات تافهة تستمر 10 أو 20 أو 40 سنة، ثم تزول، وثمة أشخاص تافهون «بعدن ناتعين» العلم الفلسطيني ويرفعون شعار تحرير فلسطين من خلال مقاطعة الفنان، سواء أكان زياد دويري أم أمين معلوف. ولكن ليس لهؤلاء أيّ تأثير في المجتمع. إنهم “جراثيم” موجودة بسبب وجودنا، وتختفي مع اختفائنا. ولكن، عندما نختفي نحن، سنترك أثراً في التاريخ والثقافة، في حين هم سيختفون كالبخار. في النهاية، مهما فعلوا، نحن ماضون في طريقنا”.. هنا لا فخ مدبر ولا يحزنون، هنا إصرار على أن الأمر طبيعي.
ليس بعيداً وفي مطلع الشهر الحالي نظم معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” ندوة تناول فيها أمرين هما “حزب الله” و”الحرب السورية الحالية” وليس موضوع الحوار هو المغزى، المشكلة في المشاركين اللذين كانا صحفي إسرائيلي يدعى “ناداف بولاك” وصحفية من لبنان تدعى حنين غدار، وبغض النظر عن وجهة نظر “غدار” التي هي مشاركتها الثانية في نشاطات المعهد إذ سبق ذلك مشاركة لها بحضور وزير الدفاع الإسرائيلي” أيهود باراك” جوبهت الصحفية بعاصفة مواقف تراوحت بين التأييد والرفض.
أما في الأولمبياد الأخير في ريو دي جانيرو فقد ترقب العالم مباراة الجودو التي جرت بين لاعب مصري وخصمه الإسرائيلي، وتعالت الأصوات بين منادٍ له تسجيل موقف عبر الانسحاب وبين من قال أن الوقوف أمام الخصم والانتصار موقف يحسب. لتطل مؤخراً صورة فنان جماهيري تجمعه مع ضابط إسرائيلي لم يظهر هويته فحسب عبر بدلته العسكرية بل زيّنها بالعلم الإسرائيلي، عامداً التفاخر بنشرها، تاركاً للفنان الكبير البحث عن تبرير أقبح من ذنب “كان فخاً مدبراً”.
تراها القضية باتت في مهب الريح إذ غدت المصافحة والصورة والمشاركة أمراً طبيعياً، بل إن البعض ذهب إلى استنكار الرفض بحجة التعصب والشوفينية كما دويري أو غدّار وسواهما ممن نسي أو تناسى معنى الصراع في سبيل الحق والأرض، “مرتقياً” بوعيه “العصري” الذي سيفتح له باب الشهرة والعالمية، بعد أن أضفى إنسانيته على العدو، تاركاً لنا انتظار التاريخ الذي سيكتب من خلال أمثاله الذين يفترض أنهم قدوة الأجيال القادمة، لنصبح نحن الذين تعلمنا دوماً: “طالما أنك محتل أرضي أنت عدوي، وعليّ أن أعرف عنك كل شيء، أرفضك في كل وقت وأحاربك في كل شيء، فلا أحد يحاربني في ديني ومعتقدي، أفكاري وحقي وارضي كما أنت” في عداد المتفرجين.