ثقافة

“تاء مبسوطة” تعلن عن ولادتها

هي المرأة السورية القادرة دوماً برغم الخراب والدمار الذي يحيط بنا في ظل الحرب على بثِّ الحياة والأمل والنهوض من بين الأنقاض للبناء من جديد بلمستها الفنية وروحها التوّاقة للبناء، لذلك لم يكن معرض “من حبر الحرب”.. من سطر للفن الذي افتُتح مؤخراً في صالة الرواق على هامش إعلان جمعية “تاء مبسوطة” لولادتها إلا دليلاً ملموساً على أن السوريات كنَّ وما زلنَ أقوى من الحرب والبشاعة التي تخلفها، وذلك بفضل إرادتهن وتصميمهن على تحويل هذه البشاعة إلى لوحات فنية، داعين من خلال ذلك إلى ضرورة التمسك بالأمل وعدم الاستهانة بواقع فُرِض علينا .

جمعية نسوية
تؤكد مؤسسة الجمعية ديانا جبور أن هذا المعرض هو أول نشاط للجمعية وهو بداية مناسبة لأننا في النهاية مرتبطين بواقعنا، واقع الحرب التي خلفت خراباً كبيراً، لذلك جاءت فكرة إقامة المعرض من مخلَّفات هذه الحرب التي رميت أو تركت بعد أن أصبحت لأصحابها أدوات عديمة الفائدة والقيمة وذلك من خلال إعادة تدويرها من قبل مجموعة من الفنانات التشكيليات وتحويلها لقطع فنية جمالية للتأكيد على أن المرأة السورية قادرة رغم بشاعة الحرب على البناء وبث الحياة في الأدوات التي اعتقد بعضهم أنها لم تعد صالحة للاستخدام، ولتثبت الفنانات المشاركات أن السوريات يستطعن استنهاض الفن والحضارة من مفردات مهملة، وهنَّ يمتلكن الإرادة والطاقة الخلاقة لفعل ذلك والمساهمة بشكل فاعل في بناء سورية من جديد.
وحول الجمعية التي أعلنت عنها جبور تبيّن أنها جمعية نسوية، واسمها يدل على هويتها وهي تهدف إلى تمكين المرأة السورية ودفعها لسوق العمل عبر الثقافة والفن للنهوض بالمجتمع ككل، وأشارت جبور إلى أنه في الحروب تكون المرأة عموماً هي قاطرة التقدم في مختلف جوانب الحياة، وحتى نضمن عدم خروج هذه القاطرة عن السكة الصحيحة كان من الضروري –برأيها- القيام بما هو مؤثر بالروح والعاطفة والوعي والثقافة، فكانت الدعوة لتأسيس جمعية “تاء مبسوطة” بمبادرة منها ومن عدد من العضوات المؤسِّسات لها، وهنّ في معظمهن ناشطات في المجتمع الأهلي السوري للتأكيد على أن النساء السوريات قادرات على اختراع أسباب للفرح والإبداع من لا شيء، رغم الظروف الصعبة التي نمر بها، وأوضحت أن المعرض ما هو إلا خطوة أولى أرادت الجمعية البدء بها حيث مشاريع أخرى لاحقة لها وكلها ثقافية، مثل إصدار كتب فصلية للمرأة وعنها في جميع المجالات الإبداعية من شعر وقصة ورواية لقناعتها بأن طباعة مثل هذه الكتب سيدفع المرأة لسوق النشر والعمل الثقافي، ونوهت إلى أن أهم ما يميز “تاء مبسوطة” كجمعية عن غيرها من الجمعيات الموازية أنها تهدف إلى تمكين المرأة بعيداً عن الأشكال التقليدية، من خلال تقديم اقتراح يكمل عمل الجمعيات الأخرى بالتركيز على تأهيل النساء لدخول سوق العمل الثقافي، ولا تنكر أن “تاء مبسوطة” لم ترَ النور إلا بفضل الدعم اللوجستي لجمعية نور لها ولعضواتها اللواتي التقين على أهمية الثقافة والمعرفة، وأن تكون المرأة السورية مساهمة في نهضة سورية في المراحل القادمة، وبالتالي فإن هذه الأهداف دفعتهن لمأسسة النوايا والرغبات والمشاريع الطموحة عبر “تاء مبسوطة”.

أول جمعية لتمكين المرأة ثقافياً
وتبيّن لورا خضير الناشطة في المجتمع الأهلي والمتطوعة في عدد من الجمعيات كجمعية “بسمة” للمصابين بمرض السرطان أنها تطوعت في جمعية “تاء مبسوطة” لمجالها المختلف ولإيمانها بتكامل عمل كل هذه الجمعيات وبدور المجتمع الأهلي في ظل الحرب الحالية، وأوضحت أن جمعية “تاء مبسوطة” تختلف عن بقية الجمعيات الأخرى وهي أول جمعية تهدف إلى تمكين المرأة في المجال الثقافي والفني، وبذلك فهي تملك رؤية جديدة، ومن هنا تأتي خصوصيتها. ولا تتردد خضير في القول أن مقومات النجاح موجودة في الجمعية ويأتي بالدرجة الأولى إيمان العضوات المؤسسات بأهدافها وأهمية هذه الأهداف في المرحلة الحالية.

تحدٍّ للواقع
وترى الفنانة التشكيلية ديمة الفياض المشرفة على المعرض والمشاركة فيه أن فكرته كانت نتيجة طبيعية للوضع الذي نعيشه حيث انتشر الخراب وكثرت مخلفات الحرب، فكان لا بد من بث الحياة فيها لتحويل الأدوات البسيطة إلى قطع فنية جمالية قامت الفنانات المشاركات بإعادة تدويرها عبر أفكار ومواد بسيطة، مؤكدة على أن كل الفنانات تعاونّ بشكل جماعيّ وبيّنت أن تحويل البشاعة إلى جمال كان تحدياً للواقع الذي نعيشه وتصميم على القول أن المرأة السورية قادرة على بناء ما تخرب.
في حين أوضحت الفنانة التشكيلية ضحى ضوا المشاركة في المعرض أيضاً أنه من الضروري الترويج لهذه الأفكار الجديدة وتقديم مقترحات عديدة للمرأة السورية، لتعيد بناء كل قطعة لديها من جديد وهي القادرة على فعل ذلك بجهد بسيط، ولا تخفي ضوا أنها اعتادت قبل هذا المعرض العمل على صفحة بيضاء، أما في هذا المعرض فكان بين أيديها أدوات بسيطة عديمة الفائدة، والمطلوب إعادة بنائها من جديد وهي عملية جعلتها في حالة تحدٍّ لتحويل ما بين يديها إلى قطع جميلة ومفيدة.
أما الفنانة كارولين رميح فنوِّهت إلى أن التعامل مع مخلَّفات الحرب بقدر ما هي عملية حزينة تحرض الفنان وتجعله في تحدٍّ مع نفسه لإعادة الجمال لها وبثّ روح الفرح حين رؤيتها، وبالتالي هي ليست عملية صعبة وإنما عملية ممتعة بالنجاح الذي تحققه في النهاية وإيمان من يقوم بها بقدرته على إصلاح ما خربته الحرب.

تجاوز الخراب
وتعبّر د.ميسون علي عن إعجابها بالمعرض الذي يأتي ضمن أجواء الخراب الذي يعم الأمكنة والنفوس، وبقدرته على صياغة الكثير من العناصر التي فقدت نتيجة ارتدادات الحرب وهي عناصر لها علاقة بالحياة اليومية، وقد أهّلتها المشاركات في المعرض لتكريس فكرة الحياة وتحدي الخراب والموت الذي يحاول البعض تكريسه، ليأتي هذا المعرض ويؤكد أننا قادرون على تجاوز هذا الخراب وبناء ما تخرب وتحميله معانٍ تشير إلى الفرح والأمل بتجاوز ما نحن فيه.

أفكار غير مطروقة
ومن الناحية الفنية يعبّر الفنان غازي عانا عن رأيه الفني بما أنجزته الفنانات المشاركات، وأكد أنهنّ نجحنَ في تقديم أفكار جديدة غير مطروقة سابقاً، بالإضافة إلى تقديمهن لأفكار قديمة عملنَ على طرحها حيث استفدنّ من وسائل تعبير جديدة، ولم يتردد في القول أن المعرض عبّر عن مستوى تفكير يستحق المتابعة، من خلال قيام المشاركات بإعادة تدوير بعض مخلفات الحرب بطريقة فنية للاستفادة منها، بدلاً من رميها ليؤكدن لنا أننا بالتفكير والتدبير يمكن أن نعيد الحياة من جديد .
وعن أهمية وجود جميعة “تاء مبسوطة” في مجتمعنا يرى أن وجودها هو تأكيد على دور المرأة في المجتمع والطاقات الكبيرة التي تتمتع بها، والتي يمكن أن تنتج أعمالاً عظيمة إذا ما أتيح لها التعبير.
يستمر المعرض لغاية يوم السبت القادم وتشارك فيه الفنانات: ضحى ضوا-كارولين نعمة-ماريانا الشماس-لوليانا رميح.. مشاركة وإشراف ديمة الفياض.. في صالة الرواق العربي.
أمينة عباس